أزمة الخرطوم والأمم المتحدة: لاجئو جنوب السودان مواطنون بالشمال

07 ابريل 2014
عدد اللاجئين من جنوب السودان يصل إلى 50 ألفاً(Getty)
+ الخط -

كشف برنامج الأمم المتحدة في السودان، عن وجود خلافات مع حكومة الخرطوم بشأن توصيف الفارين من الحرب في دولة جنوب السودان على الحدود مع الدولة الجارة في الشمال. وبينما ترفض الخرطوم إطلاق تعريف لاجئ على الجنوبيين، تتمسك الامم المتحدة به لاعتبارات تتعلق بتقديم المساعدات إليهم.

وكانت الحكومة في الخرطوم قد أعلنت، منذ اندلاع الحرب في الدولة الجديدة، عن معاملة الجنوبيين اللاجئين إلى أراضيها كمواطنين لديهم حقوق المواطَنة التي يتمتع بها المواطن السوداني، لسد أي باب أمام إقامة معسكرات على الحدود المحاذية لمناطق الصراع بين الحكومة في الخرطوم والمتمردين عليها.

ويرى مراقبون أن خطوة الخرطوم تأتي في إطار الهواجس الأمنية والسياسية، ولا سيما أنها تنظر إلى المنظمات الدولية كلاعب أساسي في تدويل قضية دارفور والمحكمة الجنائية الدولية التي أًصدرت قرارات بحق عدد من المسؤولين الحكوميين، في مقدمتهم الرئيس عمر البشير. وتخشى الحكومة من تكرار تلك القرارات، وخصوصاً أن أي معسكرات ستُقام للاجئين، ستكون قريبة من المناطق التي تخوض فيها الحكومة حرباً ضد المقاتلين، وفي مناطق حدودية ذات حساسية أمنية، وبالتالي تنبع الخشية السودانية من رعب إدانتها مستقبلاً بارتكاب جرائم حرب تكون تلك المنظمات أبرز شاهد عليها.


كما أن الخرطوم ترى في المنظمات الدولية عامل تهديد للأمن القومي السوداني. ولم تأتِ تخوفات الحكومة السودانية من فراغ، إذ ينظر نظام البشير إلى المنظمات الانسانية الدولية على أنها إحدى أهم الوسائل الخاصة بجمع المعلومات الميدانية بفضل الوسائل المتقدمة التي تمتلكها، والتي تفوق قدرة الحكومة نفسها. كما أن سهولة تحركها ووصولها إلى المتضررين، تمكّنها من سماع ومشاهدة الاوضاع على الارض.

ولجأ إلى المناطق الحدودية لدولتي السودان وجنوب السودان، ما بين 27 إلى 50 ألف لاجئ جنوبي، بحسب إحصائيات الامم المتحدة، التي ترجح أن ترتفع الاعداد، خلال الايام المقبلة، إلى 150 ألف لاجئ. وتحذّر المنظمات الدولية من كارثة إنسانية، إذا تمسكت الخرطوم بمواقفها الرافضة لتوصيف الجنوبيين المقيمين على أراضيها، كلاجئين.
وقال منسّق الشؤون الانسانية لبرنامج الامم المتحدة في السودان، علي الزعتري، إن نقطة خلافهم مع حكومة الخرطوم تتمثّل في رفض الأخيرة إطلاق صفة لاجئين على الجنوبيين الفارين من الحرب المشتعلة هناك، لا داخل أراضيها، وإصرارها على معاملتهم كمواطنين سودانيين. وبرأي الزعتري، فإنّ ذلك يصعّب عملية المساعدة التي تقدمها المنظمة للمتضررين، وهي تتم حالياً على حساب المساعدات المخصصة للسودانيين، كاشفاً أن الهيئة الاغاثية التي يتولّى إدارتها، طالبت بتمويل عالمي قدره 48 مليون دولار، لمجابهة أعباء الوافدين إلى المناطق السودانية من الجنوب.

وشدد الزعتري على أن التمويل بحاجة إلى جهود مشتركة ما بين الدولة المستضيفة والبرنامج الدولي. واستنكر مطالبات الخرطوم للمنظمات الدولية تقديم الدعم للجنوبيين في ظل رفضها توصيفهم كلاجئين، وتساءل: "كيف نقدم مساعدات إن لم يكونوا لاجئين؟".

بدوره، يرى المحلل السياسي خالد عبد العزيز، أنّ تمسك الحكومة السودانية بعدم توصيف الجنوبيين كلاجئين، ينبع من حرصها الشديد على الحد من إيجاد دور جديد للأمم المتحدة في السودان، مشيراً إلى أن أي معسكرات لأولئك اللاجئين، ستُقام عند الحدود وفي المناطق القريبة من مناطق العمليات العسكرية بين الحكومة والمتمردين، لا سيما في جنوب كردفان. وأكد عبد العزيز أن الخرطوم تفتقد للثقة إزاء المنظمة الدولية، وتحمّل المنظمات الانسانية الدولية مسؤولية تدويل قضية دارفور بسبب وجودها هناك إبّان اندلاع الحرب في الاقليم عام 2003، "لذا فهي ترى في وجود المنظمات الدولية في مناطق حساسة وعلى الحدود، عاملاً سلبياً". ويلفت إلى أن الخرطوم تعتبر أن معاملتها للجنوبيين كمواطنين، هي "ورقة" سياسية تقود إلى انطباع إيجابي في نفوس الجنوبيين، معرباً عن ثقته بأن الدولة الوليدة في الجنوب "لا تستطيع حماية مواطنيها، وبالتالي يمكنهم العودة إلى حضن الوطن الأساسي"، في إشارة إلى السودان. لكن في الوقت نفسه، يجزم عبد العزيز بأن الحكومة في الخرطوم عاجزة عن مساعدة أولئك الفارين من الحرب الجنوبية، من دون مساعدة المنظمات الدولية.

وفي إطار تمسُّك الحكومة السودانية بحقها السيادي الرافض لتوصيف الجنوبيين داخل حدودها، كلاجئين، ومن ثم إقامة معسكرات لهم، يقول المدير العام لمفوضية الشؤون الإنسانية السودانية، سليمان مرحب، إن توصيف اللاجئ "تمنحه الدولة المضيفة من خلال القانون، ويحق لها أن تعتبرهم مواطنين لهم كامل الحقوق". ويشدد مرحب على أن الرئيس السوداني "قرّر ألا يُعامَل الجنوبيون كلاجئين في السودان، باعتبار أن الدولتين في الأصل كانتا دولة واحدة وشعباً واحداً"، ولكنه لا ينسى التلميح إلى مرونة القرار الرئاسي، وبالتالي إمكانية مراجعته في حال تزايد أعداد الفارين من الدولة الجارة.