"مراسلون بلا حدود": سوريا الأسوأ عالميا بالنسبة للحريات الصحافية

"مراسلون بلا حدود": سوريا الأسوأ عالميا بالنسبة للحريات الصحافية

12 فبراير 2014
+ الخط -

تباينت مواقف دول العالم حيال الحريات الصحافية وفق المؤشر الجديد الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، بعد أن راقبت مواقف حكومات ومجموعات مختلفة حيال الصحافيين وحريّاتهم في 180 بلدا. ويؤكد المؤِشر السنوي لحرية الصحافة تراجعا مهولا في حق الإبلاغ والحصول على الأخبار على المستوى العالمي، بزيادة قدرها 1.8 %، مما يعكس تدهورا طفيفا على صعيد حرية الإعلام بين نسختي 2013 و2014 وفق التصنيف العالمي. وعلى الرغم من التراجع في أعداد الصحافيين القتلى مقارنة بالعام السابق، والذي كان أشبه بمجزرة لأهل القطاع الإعلامي، إلا أنّ العام الأخير شهد ارتفاعا في الاعتداءات والتهديدات بحقّ الصحافيين.

يتذيل أسفل التصنيف "الثلاثي الجهنمي" المعهود، الذي يتألف من تركمانستان وكوريا الشمالية وإريتريا، حيث كانت حرية الصحافة معدومة في هذه البلدان خلال 2013، ولا تزال تمثل وصمة عار على الصعيد الإعلامي باعتبارها جحيما حقيقيا بالنسبة إلى الصحافيين.

وتشكّل النزاعات المسلّحة عاملا حاسما في التراجع. ويسلّط مؤشر 2014 الضوء على الترابط السلبي بين حريّة الإعلام والصراعات، جارية كانت أو غير معلنة. ففي سياق يطغى عليه عدم الاستقرار، تصبح وسائل الإعلام مستهدفة على نحو استراتيجي من قبل الجماعات أو الأفراد الذين يحاولون فرض رقابة على كل من يسعى إلى نشر المعلومات.

وفي عدد من البلدان تكون الجماعات الأهلية غير الحكومية مصدر التهديد الرئيسي لأمن الصحافيين. فالميليشيات التي تعمل على استتباب الفوضى في ليبيا الجديدة (المرتبة 137)، أو الجماعات اليمنية المسلحة ذات الصلة بتنظيم "القاعدة"، هي المرآة التي تعكس خصخصة العنف على هذا النحو. أما القاسم المشترك بين حركة الشباب في الصومال (المرتبة 176) وحركة M23 في جمهورية الكونغو الديمقراطية (المرتبة 151) فهو اعتبار الصحافيين أعداء بشكل مطلق. كما أنّ الجماعات الجهادية، مثل "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش"، تهاجم بعنف العاملين في الحقل الإعلامي رغبة منها في السيطرة بأي ثمن على المناطق التي "تحرّرها".

وتجسّد سوريا (المرتبة 177) هذا السيناريو إلى أقصى حد منذ آذار/مارس 2011. فقد باتت تُعتبر البلد الأخطر على الصحافيين والأكثر تهديدا لحرية الإعلام، علما بأنّها أضحت تقف على عتبة "الثلاثي الجهنمي". ونبّه التقرير الى أنّ تداعيات الأزمة السورية تحمل في طياتها أيضا تأثيرات مهولة على أنحاء المنطقة جميعها،  إذ تساهم في تعميق الشقاق بين وسائل الإعلام في لبنان (المرتبة 106)، حيث الاستقطاب على أشدّه منذ مدة ليست بالقصيرة. كما تشجّع السلطات الأردنية على تشديد الخناق على الحريات الاعلامية، بينما يؤدي الإعلام في الوقت ذاته إلى تسريع دوامة العنف التي تعصف بالعراق (المرتبة 153) حيث تتفاقم التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة.
أما في إيران (المرتبة 173)، الفاعل الرئيسي في المنطقة، فإنّ وعود الرئيس الجديد، حسن روحاني، بتحقيق تقدّم على مستوى حرية الإعلام، ما زالت في مهبّ الريح حتى الآن. وتخضع تغطية المأساة السورية، سواء من قبل وسائل الإعلام الرسمية أو عبر المدوّنات، إلى رقابة مشدّدة من السلطة الحاكمة، التي تعاقب كلّ من يتجرّأ على انتقاد سياستها الخارجية.
وفي مصر (المرتبة 159) يشير التقرير الى تزامن وصول "الإخوان المسلمين" إلى السلطة، في صيف 2012، مع تصاعد موجة الاعتداءات على الصحافيين وإخضاع وسائل الإعلام لسلطة "الجماعة" بشكل منهجي، إلى أن توقف ذلك بعد عام. لكن "اضطهاد الإخوان" منذ عودة الجيش إلى السلطة بات يشغل بال الصحافيين المصريين ونظرائهم الأتراك والفلسطينيين والسوريين على حد سواء. وبدورها، تشهد دول الخليج، خصوصا الإمارات العربية المتحدة (المرتبة 118)، موجة اعتقالات ومحاكمات في حقّ الفاعلين الإعلاميين بتهمة الانتماء إلى "الإخوان".
هذا ويعكس تراجع الكويت (المرتبة 91) إلى الوراء 13 مركزا حالة تشنّج تشهدها البلاد تتجلّى جزئيا في اعتماد "قانون الإعلام" الذي يسمح للسلطات بفرض غرامات مالية تصل إلى 300 ألف دينار (مليون دولار أمريكي تقريبا) على الصحافيين بتهمة "انتقاد الأمير" أو "انتقاد وليّ العهد" أو "نشر أقوال منسوبة إليهما". كما ينصّ القانون الجديد على عقوبة السجن 10 سنوات بتهمة "المساس بالذات الإلهية" أو "بالقرآن الكريم" أو "بالرسل أو الأنبياء أو الصحابة أو زوجات النبي أو آل البيت".

ولا تتردّد بعض الحكومات في اللجوء إلى ورقة "مكافحة الإرهاب" لاتهام الصحفيين بـ"تهديد الأمن القومي". ففي تركيا (المرتبة 154) يقبع عشرات الإعلاميين في السجون تحت هذه الذريعة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتغطية القضية الكردية. بينما أظهرت قضية الصحافي الزميل علي أنوزلا أنّ السلطات المغربية باتت تخلط بين "الصحافة" و"الإرهاب"، مما حكم على هذا البلد بالبقاء في المرتبة 136. وعلى صعيد آخر، لاحظ التقرير أنّ بلدان شبه الجزيرة العربية، ومعها الأنظمة الاستبدادية في آسيا الوسطى، تشدد الرقابة ولا تغفل عن وسائل الإعلام، تحسبا من أيّ "محاولة لزعزعة استقرار السلطة الحاكمة"، مخافة اندلاع انتفاضات شعبية جراء تداعيات "الربيع العربي".

من جهتها، ارتفعت إسرائيل 17 درجة على سلم الترتيب بعد أن تراجعت 20 مركزا في تصنيف عام 2013، الذي كان قد أخذ في الاعتبار الآثار المترتبة على عملية "عامود السحاب" في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، التي أسفرت عن مقتل صحافيين، ناهيك عن الهجمات المتعددة ضدّ وسائل الإعلام الفلسطينية. ولاحظ التقرير أنّ هذا التحسّن يظلّ نسبياً، لا سيما وأنّ حرية الإعلام تبقى مقيَّدة بالحجة الأمنية. ونوّه التقرير إلى أنّه إذا كانت الصحافة الإسرائيلية تنعم بهامش مهم من حرية التعبير، فإنّ وسائل الإعلام الموجودة فوق "الأراضي الإسرائيلية" (وفقا للتصور الإسرائيلي) عليها أن تتقبل الرقابة العسكرية المسبقة أو "أوامر التكتُّم"، علما بأنّ التحقيقات التي تمسّ القضايا الحساسة، من قبيل "الأمن القومي"، ليست موضع ترحيب على الإطلاق. كما أنّ الجيش الإسرائيلي يواصل انتهاكاته في حقّ الإعلاميين الفلسطينيين والأجانب على نطاق واسع للغاية، خصوصاً خلال التظاهرات الأسبوعية أمام الجدار الفاصل. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2013، استُهدف العديد من المصورين الصحافيين عمدا لدى مغادرتهم موقع الوقفة الاحتجاجية. وفي 4 كانون الأول/ديسمبر، أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قرارا يؤيّد مصادرة معدات (تلفزيون الوطن) خلال عملية مداهمة قام بها الجيش في شباط/فبراير2012.

ونبه التقرير، الذي اصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، الى تقويض الإعلام تحت ذريعة حماية الأمن الوطني وضرورة المراقبة، مما يمهد الطريق أمام تراجع مثير للقلق فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية، إذ تواجه الصحافة الاستقصائية صعوبات جمّة في بعض الأحيان كما هو الحال في الولايات المتحدة (المرتبة 46)، التي فقدت 13 مرتبة في التصنيف العالمي. فإدانة الجندي برادلي مانينغ أو مطاردة موظف وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن تشكلان تحذيراً شديد اللهجة لكل من ينوي تسريب ونشر معلومات حساسة حتى وإن كانت تستأثر باهتمام واسع في أوساط الرأي العام.

المساهمون