"صفقة" واشنطن و"طالبان": هل كان برغدال منشقّاً؟

"صفقة" واشنطن و"طالبان": هل كان برغدال منشقّاً؟

06 يونيو 2014
ترحيب بإطلاق سراح الجندي الأميركي (سكوت أولسون/Getty)
+ الخط -
لم تخفف الأيام السبعة التي مرّت على "صفقة" تبادل العريف الأميركي بوي برغدال، مع خمسة من كوادر حركة "طالبان" الأفغانية، بوساطة قطرية، من حدّة السجالات الأميركية المعترضة على الخطوة. ولعلّ تساؤل السيناتور الأميركي الديمقراطي، دايان فاينشتاين، حين قالت "أريد أن أعرف ما إذا كان الجندي الأميركي بوي برغدال، منشقاً عن الجيش الأميركي أم لا؟" يُلخّص أهم سؤال يشغل الكونغرس والإعلام الأميركيين في هذه الأيام، حول القضية. 

"صفقة" تم بموجبها إطلاق سراح خمسة من مقاتلي "طالبان" من معتقل غوانتانامو الأميركي في كوبا، في مقابل الإفراج عن الجندي برغدال، المعتقل منذ خمس سنوات لدى الحركة الإسلامية في أفغانستان.

وبعد الإعلان عن الصفقة، في 31 مايو/أيار الماضي، تحوّلت ردود الفعل المنتقدة لها من خجولة ومترددة ومقتصرة في الغالب على أعضاء في الحزب الجمهوري، إلى صريحة في معارضتها وأسئلتها، وشملت أعضاء ديمقراطيين في حزب باراك أوباما، وجنوداً سابقين عرفوا برغدال على أنه "جندي منشق"، ورفضوا اعتباره "بطلاً عائداً إلى الوطن".

وأشار البعض إلى أن أسره في أفغانستان حصل بعد خروجه ليلاً، قبل خمس سنوات، من وحدته العسكرية من دون إذن ولا تنسيق، ما أدى إلى وقوعه في قبضة مقاتلي "طالبان". وأعرب مجند سابق زميل لبرغدال، يُدعى جوش كورتر، في مقابلة مع شبكة "إن بي سي" الأميركية، عن شعوره بالغضب إزاء التغطية الإعلامية التي أظهرت برغدال "بطلاً". وقال المجند إن "برغدال كان جندياً جيداً لكنه أخذ، مع مرور الوقت، يشكّك في جدوى الخدمة في أفغانستان".

أمّا عن الشكوك التي أثارها البعض حول انشقاقه المحتمل عن الجيش الأميركي، رفض المجنّد كورتر، تأكيد صحتها أو نفيها، وقال "لا يمكنني أن أعرف ما الذي دار في رأسه، ولماذا خرج تلك الليلة من دون تنسيق، وما إذا كان لم يعد يرغب بتلقي الأوامر وأراد التجول في الجبال؟".

ويحمّل بعض المنتقدين، برغدال المسؤولية، وإن بصورة غير مباشرة، عن مقتل ستة جنود أميركيين في عمليات البحث التي تلت خروجه، غير المبرر، من ثكنته العسكرية. كما أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يخرج بها برغدال من دون إذن، لكن المرات السابقة لم تؤد إلى أسره. وفي ردود فعل أولية حول الموضوع، حاولت مصادر مختلفة في الجيش الأميركي، التخفيف من حدة الاتهامات الموجهة إليه، والتأكيد أن "المتّهم بريء إلى أن تثبت إدانته".
وفي السياق، أشار مسؤول في الجيش الأميركي إلى أن الجهات العسكرية ستحقق معه حول القضية، من أجل الوقوف عند الأسباب التي أدت إلى خروجه من ثكنته تلك الليلة، قبل خمس سنوات، وفي المرات التي سبقتها.

ويواجه الرئيس باراك أوباما انتقادات حادة لعقده تلك الصفقة، من دون التشاور مع الكونغرس أو بعض الجهات المسؤولة فيه. ويرى بعض الساسة الأميركيين، أن الصفقة تتعارض مع السياسة الأميركية التي تمنع التفاوض عموماً مع "منظمات إرهابية". ولم يشفع لأوباما كون التفاوض تم عن طريق طرف ثالث، هو دولة قطر، التي تستضيف العناصر الخمسة المفرج عنهم، وعائلاتهم، لمدة سنة على أراضيها.

ولم ينفِ الرئيس الأميركي خطورة إمكانية عودة هؤلاء للانضمام إلى صفوف "طالبان" في أفغانستان. وقال إن الولايات المتحدة "تضعهم تحت المراقبة". كذلك أثار شريط فيديو بثّته حركة "طالبان" على موقع "يوتيوب"، تحفّظ الكثيرين في الولايات المتحدة، إذ أظهر الشريط، في الجزء الأول منه، مجموعة من مقاتلي الحركة تصافح جنوداً أميركيين، عند تسليم برغدال، الأمر الذي لا يتماشى مع "النظرة الأميركية الذاتية" المتعلقة بعدم التعامل مع "منظمات إرهابية"، بالنسبة للرأي العام الأميركي. ولا يتماشى ذلك، بحسب المعارضين للخطوة وكل ما أحاط بها، مع الصورة الخاطئة لدى الكثيرين عن أن دولتهم "لا تتفاوض مع هذه المنظمات، بل تقاتلها فحسب".

ولم يساعد ظهور الجندي الأميركي مريضاً وهزيلاً، مع انتشار تقارير حول احتمال انشقاقه عن الجيش، في إثارة التعاطف معه، في حين أثارت صور أسرى "طالبان"، الذين خرجوا من غوانتانامو، وهم من كبار قادة الحركة، غضب جزء من الرأي العام الأميركي. ويُرجَّح أن تشهد الولايات المتحدة تصعيداً في نبرة الانتقادات يزيد الشرخ القائم بين الحزبين الرئيسين، إضافة إلى ضعف موقف الرئيس الأميركي في هذا الصدد، بسبب ارتفاع الأصوات المشككة في حزبه من جدوى هذه الصفقة.