"حراس السلام" في الدنمارك: 13 عاماً والمهمّة مستمرّة

"حراس السلام" في الدنمارك: 13 عاماً والمهمّة مستمرّة

05 أكتوبر 2014
لم يغادروا مكانهم حتى في أسوأ الظروف الجويّة(العربي الجديد)
+ الخط -
بات مشهد هؤلاء الذين يُطلق عليهم "حراس السلام" مألوفاً في ساحة البرلمان الدنماركي في العاصمة كوبنهاجن. من الصباح حتى المساء تجدهم يتناوبون على "حراسة السلام” منذ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2001، حين بدأت واشنطن حربها في أفغانستان. جاء هؤلاء بخيمة اعتصام صغيرة لإثارة انتباه الرأي العام والسياسيين، أثناء خروجهم ودخولهم إلى البرلمان والمباني الحكومية، وخصوصاً مقابل وزارتي الدفاع والاقتصاد، للتأكيد على "عدم شرعية الحرب".
بمرور الأيام تحولت الخيمة إلى اتفاق بين المعتصمين بألا يكون الاعتصام ظرفياً وينتهي بانتهاء قرار مشاركة الدنمارك في تلك الحرب، فتراهم اليوم، بعد مرور 4726 يوماً، صامدين في مكانهم.
بيرتا بيدرسن، سيدة دنماركية أسست هذا المشهد اليومي في كوبنهاجن، وهي تواظب على مناوبتها طيلة تلك الأعوام، تقول لـ"العربي الجديد": "منذ التسعينيات كنا نشاهد كيف يُراد لبلدنا التحول إلى بلد حربي في الجيب الأميركي، وبالتالي بدل أن يكون لنا جيش للدفاع عن البلد صار لنا جيش يهاجم خارج حدودنا. نحن بعملنا هذا نحاول التأثير على السياسيين والرأي العام والسائحين بأن يرفضوا الحروب ويؤيدوا السلام".

وتضيف بيرتا "بعض السياسيين حين يمرون بنا يبدو عليهم الانزعاج، ونحن لا نقوم بمضايقة أحد، وفي الواقع بعضهم الآخر يرى أنه لا مشكلة في الأمر طالما أنه يعطي صورة عن ديمقراطية الدنمارك. لكن في الفترة الأخيرة تم تهديدنا بأنه لا يجب علينا رفع أصواتنا حين يلتقي البرلمانيون، منذ الخامس من سبتمبر/أيلول وهم يضايقوننا؛ لأنهم يتحضرون للحرب في صف الأميركيين".
كريستيان سفينسون، ناشط و"حارس سلام" كان يعمل في التدريس لستة وثلاثين عاماً، وهو في السابعة والستين، يقول “في البداية كنت أعزف الموسيقى في ساحة البرلمان ضد الحرب، ثم انضممت لأقوم بمناوبة مثل الآخرين. وما يميز نشاطنا هو العناد والاستمرار يومياً، ليس هناك يوم في السنوات التي مرت لم نكن موجودين فيه تحت كل الظروف الجوية. نحن نقابل الناس من كل الجنسيات، باعتبارنا نقف في مكان استراتيجي يأتيه ويمر منه كل السائحين من حول العالم، هؤلاء يقتربون منا ونشرح لهم ما نقوم به".
سفينسون يخبرنا عن حادثة مرور سياح إسرائيليين وقد أثارهم رفع شعارات ضد الحرب على غزة، ويقول "بعضهم لا يفقه ما يتحدث عنه، يعيشون أسطورة ما يقوله لهم الإعلام الصهيوني، وحين لم تنفع محاولات ترهيبنا راح الصهاينة يلقون بأغراضنا في الماء ليخربوا ما نبنيه هنا من أجل السلام. لكننا عنيدون وعدنا إلى إيجاد بدائل سريعة". ويضيف "اليوم يتحدثون عن حرب ضد داعش، لكن ماذا عن الفظاعات التي كانت ترتكب قبل شهر فقط؟ صحيح أن داعش إرهابيون، لكن ماذا عما خلفته الحرب على غزة لأجيال؟ لماذا لم يقم هؤلاء بحشد واحد لمساعدة الفلسطينيين؟".
ويشرح كريستيان دافعه للوقوف أمام البرلمان كحارس سلام رافض للحرب، ويقول "أنا جد لخمسة أطفال، أفكر في كل هؤلاء الأطفال الذين يتعرضون لفظائع الحروب والقصف. أعرف نفسية الأطفال من عملي في التدريس لـ36 سنة، وهؤلاء لا تتحمل أجسادهم أو نفسياتهم كل تلك الفظائع، الكل يتحدث عن أرقام الجرحى والقتلى، لكن من يتحدث عن ندوب عميقة عند الناجين؟ خذ ما جرى في غزة، هل يمكن أن يخبرنا هؤلاء السياسيون عما خلفته تلك البشاعات من آثار على الأجيال القادمة؟".

أثناء الحرب على غزة شارك "حراس السلام" يومياً بوضع الزهور وكتابة أعداد الضحايا أمام البرلمان، ليشاهدها الداخلون والخارجون منه. ولضحايا سورية نصيبهم من نشاطهم، إذ يضعون صوراً وأرقاماً عن الشعب السوري. يتهكم هؤلاء على ما يجري في سورية ويسألون: “كيف قبل عام كان النظام السوري ومؤيدوه يقولون لا للتدخل الخارجي في بلدنا، وقبل أيام نسمع عن أنهم يطلبون من الأميركيين التحالف معهم لقصف بلدهم؟”.
لحراس السلام مواقفهم مما يجري في المنطقة، فهؤلاء يتابعون الثورات العربية منذ البداية، ويدهشك اطلاعهم على تفاصيل ما يجري في مصر وتونس وليبيا وسورية.
أما عن موقفهم من التحالف الدولي الأخير ضد "داعش"، فعبروا عنه للقناة الثانية في التلفزيون الدنماركي، رداً على سؤال حول رأيهم في إرسال الدنمارك لطائرات "اف 16"، وقالوا "ماذا كنتم وحكومتكم تفعلون في العراق؟ من الذي دعم وجلب المالكي إلى الحكم؟ دائماً مرتكبو الحروب يحاولون إصلاح ما أفسدوه بمزيد منها".