"العودة إلى حمص" يختتم مهرجان أفلام حقوق الإنسان

30 مارس 2014
الساروت وصحبه باتوا يشبهون االبيوت المدمرة من حولهم
+ الخط -
عندما يقدم مدير "مهرجان افلام حقوق الإنسان" في العاصمة البريطانية فيلم " العودة إلى حمص" بعبارة تقول إن المهرجان "يتشرف باختتام فعالياته بعرض هذا الفيلم القوي". ثم يضيف بحماسة: "وأتشرف أنا شخصيا بتقديمه"، فإنه يعطي انطباعا لجمهور لا يملك معلومات مسبقة عن الفيلم، إنه أمام عرض يملك مواصفات الإنتاج السينمائي العالمية، إضافة إلى مضمونه الخاص المميز، ولهذا فهو "فيلم قوي". وهي مواصفات منحت " العودة إلى حمص"، جائزة أفضل فيلم وثائقي أجنبي في مهرجان "صندانس" بداية هذا العام، وجائزة مهرجان حقوق الإنسان في جنيف قبل أيام، ولا يزال مفتوحا على فرص جوائز أخرى فهو يجول العالم في عروض عامة وخاصة.

ترصد كاميرات الفيلم مسار مجموعة من المتظاهرين في مدينة "حمص" التي اشتهرت باسم "عاصمة الثورة"، وكيف حولهم الحلّ الأمني والعسكري من قبل النظام السوري من محتجين سلميين إلى حملة سلاح. أما نجم هذه المجموعة فهو "عبدالباسط الساروت" حارس نادي الكرامة السوري والمنتخب السوري للشباب، الذي اكتشف ان صوته القوي يمكن ان يخدم مطالب شعبه، فأطلق أجمل الأغاني الثورية وحرك جموع المتظاهرين من حوله. لكن الأمور لا تستمر على هذه الوتيرة، اذا يصعّد النظام من عنفه، فيطلق الرصاص على متظاهر سلمي لم يكن يشارك حتى في رمي الحجارة على قوات النظام واكتفي يرفع ورقة مكتوب عليها "سلمية". ويتكرر استهداف المتظاهرين والناشطين اللاعنفيين، وتستهدف المناطق المدنية قصفا وقنصاً، ويصاب صديقهم الناشط السلمي اسامة الحمصي الذي أنجز جزءا كبيرا من التصوير بكاميرته لصالح الفيلم.

لحظة مفصلية تنهي الحلم
عند هذه المستوى تحدث لحظة مفصلية في الواقع والفيلم معا. ينتهي حلم السلمية ويجد الساروت وصحبه انفسهم مضطرين لرفع السلاح دفاعا عن انفسهم وعمن حولهم. يقعون في مطب الحماسة يدعمهم فيها سوريون في الخارج، فيصل السلاح الخفيف لفترة ثم يشحّ الامداد وتحاصر الاحياء التي يتمترسون فيها.
يمضي اسامة بعد اصابته فترة من الوقت لكي يتعافى في المستشفى الميداني، وعندما يخرج يجد نفسه غريبا عمن حوله، فلا حديث الا في السلاح والمعارك. يكتفي بالتصوير ويلجأ الى القنوت وهو بينهم. غير أنه يعتقل لاحقا من قبل النظام، على الحدود السورية بعد عودته من رحلة علاج في لبنان، ويختفي أثره حتى الساعة.

تمضي مدينة حمص نحو الوحشة تدريجيا، دمارا ونزوحا ومشاهد لا يعود يسمع فيها الا صوت القصف وصوت العصافير. وخلال سنتين من عمر الفيلم، يجرح البعض ويقتل آخرون ويختفون من المشهد ومن الفيلم، وعلى رفاقهم ان يكملوا المسيرة تحت ضغط العنف والفقد. ومع كل شهيد هناك وعد بالثأر لمن مضى تسندهم رومانسيتهم الثورية.
ونتابع تغيّر ملامح المدينة على مر مراحل الفيلم، فما كان حاضنة للمتظاهرين، من احياء وبيوت، بات دمارا تتماهى معه اجساد وأرواح الساروت وصحبه، يشيخون قبل الاوان، ويدخل بعضهم في الهلوسة عند الإصابة بشظايا. يخرجون من المدينة ثم يعودون لإتمام مهمتهم في الثأر للشهداء وحماية المدنيين المتبقين المحاصرين. يفقد الساروت اثنين من اهله وعدة اصابات في جسده، لكته يصرّ على الاستمرار في الهدف، فهو ورفاقه احفاد خالد بن الوليد.
استوقفني خلو الفيلم من الأطفال والنساء الا ما ندر، وكنت اتمنى ان يظهر بعضهم في المناطق المحاصرة كي لا يبقى المدنيون مجرد اشارة يتم ذكرها من وقت لآخر. لكن الفيلم يتفوق في كسر حدة نبرة التشاؤم والحزن بتفاصيل انسانية مثل غناء الساروت، أو اكتشاف اسامة لزجاجة عطره وفناجين القهوة الخاصة به وبأخته في ركام بيته شبه المدمر. كما حفل الفيلم بتعليقات مرحة تبدو مثل نبتة في الوعر وهي تخرج وسط صور الدمار والدماء، فتذكرنا بطبيعة اهل المدينة البشوشة التي ربطتهم تاريخيا بالطرافة والنكات.

في "مهرجان صندانس" بالولايات المتحدة قال المخرج طلال ديركي، إنه يهدي الجائزة إلى "المحرومين من الطعام والدواء، والصامدين برغم كل شيء".
وفي نهاية عرض الفيلم بمهرجان أفلام حقوق الانسان بلندن، قال منتج الفيلم عروة نيربية "بروآكشن فيلم" عبر سكايب من برلين مخاطبا الجمهور: هل تعتقدون ان الفيلم استحق كل هذا العناء؟ وصفق الجمهور طويلا في افضل اجابة مختصرة لسؤال من هذا النوع.

مهرجان أفلام حقوق الانسان
يقام المهرجان سنويا في عدة مدن في العالم بأوقات متفاوتة، ويعرض ما يقرب من 500 فيلم وشريط فيديو موزعة عليها.
وفي اختيار الأفلام للمهرجان، تركز منظمة هيومن رايتس ووتش" على الجدارة الفنية والمضمون معا. ويشجع المهرجان صناع السينما في جميع أنحاء العالم من العريقين في العمل او القادمين الجدد على معالجة موضوع حقوق الإنسان وقيمه في أعمالهم.
ومن بين الافلام التي اختيرت لهذا العام مجموعة افلام قصيرة سورية انتاج شركة "ابو نضارة"، وقد حازت على جائزة الافلام القصيرة في مهرجان "صن دانس" لهذا العام.

 

المساهمون