"العدالة والتنمية": ما له وما عليه

"العدالة والتنمية": ما له وما عليه

07 يونيو 2015
سمح للمحجبات بدخول المؤسسات بعد عقود من المنع(Getty)
+ الخط -
يجمع الأتراك وغير الأتراك على أنّ "المعجزة الاقتصادية" التي وضعت تركيا في مجموعة دول العشرين التي تمثل أكبر عشرين اقتصاد في العالم، تبقى أهم "إنجازات" حزب "العدالة والتنمية" في تركيا. لكن رصيد الحزب في تطبيع العلاقات السياسية الداخلية بالدفع نحو المزيد من الإصلاحات على نسق النموذج الأوروبي يعتبر "ثورة" حقيقية لناحية خرق تقاليد الجمهورية الكمالية. وقد بلغت ذروتها في إجراء استفتاء دستوري عام 2010 أدى إلى توسيع نطاق الحريات والحد من سلطات الوصاية العسكرية، واستقلالية أكبر في القضاء، والاعتراف اللفظي بوجود إثنيات أخرى غير القومية التركية، وإعادة بعض الأوقاف التابعة للكنائس المسيحية، والإقرار بوجود قضية كردية والعمل على حلها بطريقة سلمية، وتطبيق حقوق الإنسان لناحية إعادة الاعتبار لكثير من الطبقات المهمشة كالمتدينين، خصوصاً المحجبات اللواتي سمح لهن بدخول المدارس والجامعات والمؤسسات العامة بحجابهن بعد عقود من المنع "حفاظاً على علمانية الدولة".

لم يعتمد "العدالة والتنمية"، أول الأمر، سياسة المواجهة مع "الدولة العميقة" أو نظام الوصاية العسكري كسلفه حزب "الرفاه"، وذلك مدفوعاً بالضغط الذي مارسته الطبقة البرجوازية المحافظة الوليدة، وقد ساهمت الإصلاحات بتشكيل طبقات جديدة يطلق عليها "نمور الأناضول" في كل من مدن قونيا وكايسري وغازي عنتاب، والتي كانت تريد تأخير المواجهة لحين توافر الشروط المناسبة لها، والتي تشكلت بعد أكثر من ثماني سنوات من وصول "المحافظين الليبراليين"، أي "العدالة والتنمية" للحكم، وذلك عبر كل من قضيتي "الإرغنكون" و"المطرقة" اللتين أدتا إلى اعتقال عدد كبير من كبار ضباط الشرطة بتهمة محاولة الانقلاب على الحكومة المنتخبة، ليعلن رئيس الجمهورية والحزب رجب طيب أردوغان بشكل رسمي إنهاء "نظام الوصاية العسكري" في الانتخابات الرئاسية في أغسطس/ آب الماضي فقط.

اقرأ أيضاً: استراتيجية "العدالة والتنمية" لـ330 مقعداً: إفشال "الشعوب الديمقراطي"

على الرغم من ذلك، ظلّت لدى الكثيرين، مآخذ كبيرة على "العدالة والتنمية". يرى المعارضون أنّ الحزب أعاد استخدام لأدوات "الدولة العميقة" ذاتها في القضاء والتعليم لنشر فكره المحافظ المتدين، ذلك أنّه بدلاً من إجراء إصلاحات هيكلية في النظام التعليمي تساعد في رفع مستوى الكفاءات التركية، اعتمد الحزب على التوسع في بناء مدارس الإمام الخطيب (الثانويات الشرعية)، مما اعتبره الكثير من المعارضين فرضاً للأيديولوجية الدينية على الطلبة.
من جانب آخر، بقي القضاء مسيّساً كما كان عليه في عهد الوصاية العسكرية، وعوضاً عن العمل على تحييد القضاء عن الصراعات السياسية، أدى انتصار الحزب في المعركة مع الكيان الموازي "حركة الخدمة" بقيادة الداعية فتح الله غولان إلى تشديد قبضة الحزب على القضاء على مستويات عدة بدءاً من المحكمة الدستورية مروراً بمحكمة التمييز العليا وانتهاء بالمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين.

في المقابل، يحسب الموالون لـ"العدالة والتنمية"، أنه طرح مفهوماً مختلفاً لتعريف الهوية التركية. فأزاح العصبية الطورانية السنية التي أقيمت عليها الجمهورية لصالح عقد مواطنة يعترف بالأقليات غير التركية، مع التأكيد على الانتماء الديني والمذهبي والتاريخي الذي يجمع المواطنين الأتراك بمختلف أعراقهم. الأمر الذي ساعده على طرح مقاربة مختلفة تماماً للقضية الكردية، بدأت بشكل أساسي عام 2005 عندما أكد أردوغان في خطاب له في مدينة دياربكر عام 2005 بأنّ "القضية الكردية هي قضيتي".

اقرأ أيضاً: أردوغان يعتزم مقاضاة زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا

لكن لم يبدأ باتخاذ أي خطوات لحين تجهيز الأرضية المناسبة لقبولها عام 2009، وذلك عبر طرح مشروعين أولها "المبادرة الديمقراطية" والثاني هو "مشروع الأخوة ووحدة الأمة"، والذي كانت أولى خطواتها تأسيس قناة رسمية تركية ناطقة باللغة الكردية "تي أر تي"، ومن ثم إلغاء القانون الذي كان يجرم الحديث باللغة الكردية، وصولاً للسماح بعودة 34 شخصاً من مؤيدي "العمال الكردستاني" اللاجئين في مخيم مخمور في إقليم كردستان العراق، والعمل على تنمية المناطق ذات الغالبية الكردية بدفع المزيد من الاستثمارات، وتحويلها إلى طريق أساسي لعبور الصادرات التركية إلى كل من العراق وإيران.

وقد مرّت عملية السلام بأزمات كبيرة ممثلة بانهيار عملية أوسلو عام 2011 التي مثلت المحادثات المباشرة التي جرت بين الاستخبارات التركية وقيادات "العمال الكردستاني". ثم عادت العملية لتستأنف مع نهاية 2012 بإجراء حوار مباشر بين الاستخبارات التركية وزعيم "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، ومن ثم قامت الحكومة بالسماح بإعطاء دروس اختيارية في اللغة الكردية في المدارس الإعدادية، والسماح باستخدام أحرف الأبجدية اللاتينية للغلة الكردية وغير الموجودة في اللغة التركية، وصولاً إلى السماح باستخدام اللغة الكردية في الحملات الانتخابية، وتشكيل "هيئة الحكماء" للترويج لعملية السلام، ومن ثم التشريع الرسمي لها العام الماضي عبر تمرير قانون في البرلمان بإنشاء مجلس لعملية السلام بقيادة رئاسة الوزراء. لكن من جهة أخرى، يأخذ الأكراد على الحكومة البطء في اتخاذ الخطوات التنفيذية، واعتبار أن ما تقوم به ليس إلا شكليات بهدف استيعاب الحركة القومية الكردية.

اقرأ أيضاً: أردوغان.. نجم الانتخابات التركية

المساهمون