جريمة قتل طفل شبرا... المجرم يطلّ من "الدارك ويب"

جريمة قتل طفل شبرا... المجرم يطلّ من "الدارك ويب"

30 ابريل 2024
جرائم كثيرة قد تُرتكب من خلال الإنترنت المظلم (بيل هنتون/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في حادثة مروعة بشبرا، مصر، تم قتل طفل واستخراج أعضائه بتحريض من طفل آخر عبر الإنترنت المظلم، حيث أغري الجاني بمبلغ خمسة ملايين جنيه.
- السلطات المصرية ألقت القبض على الجاني والفتى المحرض، مما أثار تحقيقات مستعجلة وقلقاً عاماً حول خطورة الإنترنت المظلم وتأثيره على الأطفال.
- الحادثة دفعت لتحذيرات حول مخاطر الإنترنت المظلم وأهمية مراقبة نشاطات الأطفال على الإنترنت، مع التأكيد على التوعية بمخاطر الجرائم الإلكترونية وتعزيز القيم الأخلاقية.

أدّى الكشف عن تفاصيل جريمة قتل طفل مصري في شبرا شمالي القاهرة إلى صدمة واسعة في البلاد، خصوصاً مع تورّط الإنترنت المظلم أو "الدارك ويب" في هذه الجريمة التي حرّض عليها طفل مصري آخر مقيم في الكويت. فقد طالب الأخير الجاني، وهو عامل بالغ، بقتل الطفل واستخراج أعضائه مع تصوير كلّ ذلك بغرض بيع التسجيلات التي تُظهر تفاصيل الجريمة على شبكة الإنترنت لقاء مبلغ قدره خمسة ملايين جنيه مصري (نحو 105 آلاف دولار أميركي).

وهذه الجريمة التي وقعت قبل أيام عرّفت كثيرين إلى الإنترنت المظلم (الدارك ويب) الذي يمثّل جزءاً من الإنترنت العميق أو الشبكة العميقة (ديب ويب)، علماً أنّه من غير الممكن ولوجه من خلال المتصفّحات العادية التي يستخدمها عموم الناس. ومن متصفّح خاص، يُصار إلى تعاملات رقمية في سياقات إجرامية مختلفة، من قبيل الاتجار بالأعضاء البشرية، كما في قضية قتل طفل شبرا، وكذلك الاتجار بالبشر والدعارة بالإضافة إلى تجارة المخدرات والأسلحة وغيرها.

تفاصيل جريمة مقتل طفل شبرا عبر "الدارك ويب"

قبل أيام، طمعاً بربح مالي وفير، خُدع عامل بالغ في أحد مقاهي شبرا من قبل فتى مصري يبلغ من العمر 15 عاماً يقيم في الكويت، طلب منه قتل طفل يختاره بهدف انتزاع أعضائه وبيعها. وكان المتّهمان في الجريمة (العامل والفتى المصري المغترب) قد تعارفا على موقع خاص بالاتجار بالأعضاء البشرية. وبعد إغرائه بالمال، تقرّب العامل من الضحية؛ الفتى المغدور البالغ من العمر كذلك 15 عاماً، بعدما التقاه في المقهى حيث يعمل، وقد توطّدت العلاقات بينهما لدرجة التقاط صور سيلفي معاً. وقد انتشرت أخيراً، بعد وقوع الجريمة، واحدة من تلك الصور على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي 15 إبريل/ نيسان الجاري، استدرج عامل المقهى الضحية إلى شقته المستأجرة في شبرا، حيث نفّذ جريمته مع بثّها مباشرة في اتصال فيديو مع الفتى المقيم في الكويت، فظهر وهو يقتله ويشقّه ويستخرج أعضاءه ويضع عدداً منها في كيس. وبعد أربعة أيام، في 19 إبريل، انبعثت رائحة قوية من الشقة التي كان قد استأجرها العامل، وعند الدخول إليها عُثر على جثة الفتى المغدور. وقد أُلقي القبض على العامل، المتّهم الأوّل، الذي اختبأ في منطقة الدمرداش، ثمّ على الفتى المحرّض، المتّهم الثاني، في الكويت.

وقد باشرت النيابة العامة المصرية تحقيقات مستعجلة وواسعة النطاق في هذه القضية التي حملت رقم 1820 لسنة 2024 إداري قسم أوّل شبرا الخيمة. وفي بيان أصدرته النيابة العامة، يوم الجمعة الماضي، بيّنت أنّها كشفت في خلال معاينتها مكان الحادثة جثّة المجني عليه وقد انتُزع بعض من أحشائه ووُضِع في كيس بجوار الجثّة، ثمّ توصّلت التحريات إلى تحديد مكان مرتكب الواقعة (عامل المقهى) فأُلقي القبض عليه وخضع للاستجواب. بالتالي، اعترف المتّهم الأوّل بارتكاب الجريمة بطلب من الفتى المصري المقيم في الكويت.

وبعد اختيار المتّهم الأوّل الفتى الضحية، عرضه على المتّهم الثاني عبر تقنية الاتصال بالفيديو، فطلب منه الأخير إزهاق روح الفتى تمهيداً لسرقة أعضائه ونقل عملية انتزاع الأعضاء عبر الاتصال بالفيديو. وأعلم المتّهم الثاني الأوّل بأنّه سوف يبلغه تباعاً بالخطوات الواجب عليه القيام بها. وعند إتمام عملية القتل هذه، طلب الفتى في الكويت من العامل، مرّة جديدة، أن يختار طفلاً آخر ويكرّر فعلته ليحصل على المبلغ المتّفق عليه، لكنّ المتّهم الأوّل أوقف قبل تنفيذ الأوامر الجديدة. وذكرت النيابة العامة أنّها لم تعثر في خلال عملية التفتيش على أيّ أدوات طبية تبيّن أنّ المقصود من الجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية.

وفي خلال التحريات، جرى التعرّف إلى المتّهم الثاني، الفتى المصري المقيم في الكويت، الذي استخدم في الجريمة التي ارتكبها مع المتّهم الأوّل هاتفاً ذكياً مزوّداً بشريحة اتصال يملكها والده. وبناءً على تعليمات النائب العام، عمدت إدارة التعاون الدولي في مكتب النائب العام إلى الاتصال بالجهات المختصة في دولة الكويت والإنتربول (منظمة الشرطة الجنائية الدولية)، وقد أسفر عن ذلك توقيف المتّهم الثاني ووالده ومصادرة الأجهزة الإلكترونية التي يملكانها وترحيلهما إلى مصر.

واعترف المتّهم الثاني الذي حرّض المتّهم الأوّل على عملية قتل "طفل شبرا" أنّه الذي أوعز إلى الأوّل ارتكاب الجريمة، موضحاً أنّه قصد الاحتفاظ بالتسجيلات المصوّرة لواقعة قتل المجني عليه والتمثيل بجثّته، وذلك حتى تسنح له فرصة بيعها ونشرها على مواقع إلكترونية تبثّها في مقابل مبالغ مالية طائلة. كذلك أقرّ المتّهم الثاني بأنّه سبق أن قام بذلك مرّات عدّة في السابق، والتحقيق جارٍ للتأكّد من صحة ادّعاءاته، من خلال فحص الأجهزة الإلكترونية الخاصة به وبوالده الذي أُوقف معه وأنكر صلته بتلك الوقائع.

تحذيرات من الإنترنت المظلم

وقد أثار قتل طفل شبرا في منتصف شهر إبريل الجاري تساؤلات عديدة تتعلّق بالجرائم التي تُرتكب في سياق الإنترنت المظلم أو "الدارك ويب" والتي لا تُكشَف في مصر، بالإضافة إلى هلع بين الأهالي والمعنيين بشؤون الأطفال. وفي هذا الإطار، أصدر الأزهر بياناً حول القضية، شدّد في خلاله على  ضرورة الحذر من مخاطر الإنترنت المظلم، ودعا الأهالي إلى مراقبة نشاطات أطفالهم على شبكة الإنترنت. كذلك أشار إلى أهمية التوعية بمخاطر الجرائم الإلكترونية، وتعزيز القيم الأخلاقية لدى الأطفال، وتشجيعهم على التواصل مع أسرهم عند مواجهة أيّ صعوبات أو تهديدات في العالم الافتراضي.

كذلك أعلن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إنّ دخول مواقع الإنترنت المظلم أو "الدارك ويب" حرام شرعاً، مشيراً إلى أنّ حماية الشبّان من السلوكيات المُجرَّمة على مواقع الإنترنت مسؤولية مشتركة بين أولياء الأمور ومؤسسات الدولة. 

على الرغم من أنّ متصفّح "تور"، الذي يُعَدّ الأبرز في الإبحار في عالم الإنترنت المظلم، محظور في مصر، فإنّ دخول هذا العالم كان ممكناً من خلال تقنيات خاصة تمكّن من اختراق الحظر. ومتصفّح "تور"‏ برنامج حرّ يعتمد على المصادر المفتوحة ويتيح إبقاء هوية المستخدم الرقمية مجهولة وكذلك تجاوز الرقابة على شبكة الإنترنت، ويأتي ذلك من خلال إخفاء عنوان بروتوكول الإنترنت (آي بي) الخاص بالمستخدم. وهذا أمر غير متاح من خلال متصفّحات أخرى من قبيل "كروم" و"سافاري" و"مايكروسوفت إدج" وغيرها.

وقد شرح الخبير في مجال تقنية المعلومات خالد يسري لـ"العربي الجديد" طبيعة الإنترنت المظلم الذي جرت من خلاله جريمة قتل "طفل شبرا". وقال الخبير إنّ "الدارك ويب وجه خفيّ للإنترنت، ولا يمكن الوصول إليه من خلال محرّكات البحث (المتصفّحات) العادية، فالأمر يتطلّب برامج وتقنيات خاصة لاختراقه". أضاف أنّ "تلك البيئة المظلمة تحوّلت إلى ملاذ آمن لأنشطة غير قانونية عديدة، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات وبيع الأسلحة واستغلال الأطفال، وحتى التخطيط لعمليات إرهابية".

المساهمون