ذكرى تفجيرات الدار البيضاء: تراجع الخطر لا يلغي الحذر

ذكرى تفجيرات الدار البيضاء: تراجع الخطر لا يلغي الحذر

16 مايو 2024
خلال عملية لمكافحة الإرهاب، طنجة، أكتوبر 2021 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ذكرى تفجيرات الدار البيضاء الـ21، يستذكر المغاربة هجمات 16 مايو 2003 التي نفذها 14 شابًا، مستهدفين مواقع حيوية وأسفرت عن مقتل 45 شخصًا وإصابة العديد، مما شكل صدمة وأدى إلى حملة اعتقالات واسعة.
- المغرب تبنى مقاربة استباقية في مكافحة الإرهاب بعد التفجيرات، شملت تفكيك الخلايا الإرهابية، تجفيف مصادرها، وإقرار قانون مكافحة الإرهاب في 2003 مع تعزيز القدرات الأمنية والاستخباراتية.
- على الرغم من إجهاض 500 مشروع إرهابي واعتقال 215 خلية منذ 2002، يظل التهديد الإرهابي قائمًا، مما يتطلب يقظة مستمرة وتعاونًا دوليًا لمواجهته، مع الإشارة إلى نجاح المغرب كنموذج في مكافحة الإرهاب.

يُحيي المغاربة، اليوم الخميس، ذكرى تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، والتي ذهب ضحيتها 45 قتيلاً والعديد من المصابين، على وقع الإعلان عن اعتقال خلية موالية لتنظيم داعش، كانت تستعد لـ"تنفيذ مشاريع إرهابية في المملكة بغرض المساس بالنظام العام".
ويستعيد المغاربة في الذكرى الـ21 لتفجيرات الدار البيضاء، لحظات مؤلمة ومشاهد صادمة لأعنف تفجيرات انتحارية في تاريخ البلاد، بعد أن خرج ليلة الجمعة 16 مايو/أيار 2003، 14 شاباً تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً، من الحي الصفيحي كاريان طوما، في منطقة سيدي مومن بالدار البيضاء، ليستهدفوا بأحزمة ناسفة مراكز استراتيجية وحيوية. وبدأت تلك الاستهدافات بفندق فرح ومطعم دار إسبانيا، مروراً بمطعم إيطالي بالقرب من دار أميركا ومركز اجتماعي يهودي كان مقفلاً في ذاك اليوم، وانتهاء بمقبرة يهودية قديمة، والقنصلية البلجيكية.

تفجيرات الدار البيضاء

وشكلت تفجيرات الدار البيضاء حينها، والتي جاءت في سياق دولي اتسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، صدمة قوية في المملكة، بعدما كانت تصريحات عدة تذهب في اتجاه أن "البلاد في منأى عن الإرهاب" الذي ضرب في ذلك الوقت عدداً من البلدان العربية. وتحت وقع صدمة تفجيرات الدار البيضاء وهولها، شنّت السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة في صفوف معتنقي الفكر السلفي على امتداد المغرب. وقادت إلى اعتقال أزيد من ثلاثة آلاف مشتبه به، ينتمون في غالبيتهم إلى "السلفية الجهادية"، وهو الأمر الذي انتقدته بشدة الجمعيات الحقوقية، بعد تسجيل خروقات وتجاوزات اعترفت بها أعلى سلطة في البلاد، ممثلة في الملك محمد السادس.

وبالرغم من تداعياتها وما خلّفته من مآسٍ، كانت تفجيرات الدار البيضاء المعروفة أيضاً بتفجيرات 16 مايو، نقطة تحوّل في طريقة عمل الأجهزة الأمنية المغربية، والتي سارعت إلى اعتماد مقاربة استباقية. وكان من الملامح الرئيسية لتلك المقاربة تفكيك الخلايا الإرهابية قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ، إلى جانب تجفيف مصادر الإرهاب، واتباع سياسة المراجعات والمصالحات مع المنتمين إلى تنظيمات متشددة.

أُقر قانون مكافحة الإرهاب في المغرب عام 2003 بعد التفجيرات

كما تمّ إقرار قانون مكافحة الإرهاب في عام 2003، قبل أن يدخل تفجير مقهى أركانة بمراكش في إبريل/نيسان 2011، الذي أودى بحياة 17 شخصاً معظمهم من السياح، المغرب مرحلة حاسمة جديدة فرضت تفعيل القانون ومراجعة نصوصه، في اتجاه منح الجهات الأمنية والاستخبارية والعسكرية القدرة على التحرك وتنظيم عملياتها بما لا يخالف حقوق الإنسان ويضمن أمن البلاد. في المقابل، شكل إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) في مارس/آذار 2015، نقطة تحوّل، إذ عهدت إليه مهام عدة، أبرزها تعقّب وتفكيك الخلايا.

وتمكّن المغرب منذ عام 2002، من إجهاض 500 مشروع إرهابي، واعتقال 215 خلية، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن تقرير منجزات وزارة الداخلية برسم السنة المالية 2023، في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي. كما تمكّن المكتب المركزي للأبحاث القضائية خلال السنة نفسها من تفكيك ست خلايا، خلص منها إلى اعتقال 21 شخصاً، وذلك في سياق عمليات استباقية متفرقة باشرها السنة الماضية.

تهديد أمني مستمر

ولئن كان نجاح المغرب في اعتقال عددٍ كبير من الخلايا، والتي كان آخرها أول من أمس الثلاثاء بمدينتي تيزنيت (جنوبي المغرب)، وسيدي سليمان (غرب) يعطي "صورة واضحة" عن حجم الجاهزية واليقظة الأمنية، اعتبر الباحث المغربي في الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري، أن "توالي أخبار تفكيك الخلايا في المغرب يشير إلى استمرار التهديد الأمني". وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات الأمنية المغربية فككت عدداً كبيراً من الخلايا في السنوات الأخيرة، وهذا يدل على أمرين: استمرار التهديد أولاً واليقظة الأمنية ثانياً". ولفت إلى أن "المغرب يوجد في موقع استراتيجي بين أفريقيا وأوروبا، وهو موقع فريد، لكنه مكلف استراتيجياً، لأن الإرهاب اليوم يتركز في القارة الأفريقية ويستهدف القارة الأوروبية". وأضاف أنه "لذلك يظل المغرب نقطة مركزية في هذه التهديدات، لأنه بوابة أوروبا من جنوب المتوسط".

إسماعيل حمودي: التحدي الإرهابي فقد بعض قوته لكنه لم يختف

من جهته، قال الباحث المغربي المتخصص في السياسة الأمنية، إسماعيل حمودي، إن "وتيرة تفكيك الخلايا تبدو في تراجع، إذ تمكنت السلطات الأمنية خلال الأشهر الأولى من سنة 2024، من تفكيك ثلاث خلايا، بالمقارنة مع فترات مماثلة من السنوات الماضية". وذهب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التحدي الإرهابي لم يعد خطيراً كما كان، وفقد بعض موارد قوته"، مستدركاً أنه "تحد لم يختف تماماً بعد، إذ لا زالت دول ومجتمعات، خصوصاً في الشرق الأوسط وفي مناطق مختلفة من أفريقيا، لا سيما غرب ووسط وشرق القارة، تعاني الويلات من جرائه".

واعتبر أن "استمرار الخطر نابع من عوامل عدة، أولها هشاشة الدول والمجتمعات في مناطق مختلفة (سورية، اليمن، منطقة الساحل، ليبيا...)، وهي مناطق توفر بيئة مناسبة ومواتية للجماعات الموسومة بالإرهاب للتجذر والعمل". وثاني تلك العوامل من وجهة نظره أن "الإرهاب أضحى من بين أدوات الصراع بين أنظمة ودول، تتنافس على الموارد والنفوذ، إذ سمعنا في حالة مالي وسورية، عن اتهامات مباشرة لدول مثل فرنسا برعاية جماعات إرهابية، بطرق ملتوية". ورأى حمودي أن "الوضع لا يقتصر على فرنسا، إذ تتحدث التقارير عن صنع الإرهاب مثلاً، ولا شك أن القوى المنخرطة في مثل هذه الأعمال تغذي بدورها استمرار الخطر الإرهابي".

إحسان الحافيظي: نجح المغرب في التصدي لظاهرة الإرهاب من خلال العمل الاستباقي

في المقابل، رأى الخبير المغربي في السياسات الأمنية إحسان الحافيظي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "منسوب التهديد في المغرب تراجع بشكل كبير وملحوظ بشهادة التقارير الأمنية الدولية، والتي تصنف المغرب ضمن خانة البلدان الآمنة". ولفت إلى أن المقاربة الوقائية والاستباقية التي تبنتها المصالح الأمنية منذ تفجيرات الدار البيضاء في 2003 أدت "دوراً في تحجيم الجماعات المتطرفة وتفكيك الخلايا الإرهابية وإجهاض مشاريعها التخريبية التي تستهدف الأرواح والممتلكات". وبرأيه، فإن "المغرب نجح فعلاً في التصدي للظاهرة عبر نموذجه الخاص في مجال مكافحة الإرهاب المبني على استباق تنفيذ التهديدات، من خلال تنسيق عمل الأجهزة الأمنية واستحداث جهاز المكتب المركزي للأبحاث القضائية ليشتغل على تجميع المعطيات والبيانات الخاصة بأعضاء الجماعات المتطرفة وتنظيم تدخلات أمنية استباقية".

وقال الحافيظي إنه بعد 21 عاماً على تفجيرات الدار البيضاء وهي أخطر اعتداءات تعرضت لها المملكة، "يبدو أن المقاربة المغربية أعطت نتائج مهمة جعلت من الأمن المغربي شريكاً للعديد من البلدان التي تواجه الإرهاب في أوروبا وأفريقيا وحتى مع الولايات المتحدة الأميركية". ولفت إلى أنه "لوحظ في الفترة الأخيرة أن التعاون الأمني مع المغرب توسع نحو آسيا، سواء مع بلدان عربية مثل السعودية والإمارات وقطر أو مع بلدان في وسط آسيا مثل تركمانستان".

المساهمون