تواصل الانقسام في تونس

تواصل الانقسام في تونس

13 مايو 2024
من مسيرة جبهة الخلاص في تونس العاصمة أمس (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تونس تشهد حملة اعتقالات واسعة طالت محامية وصحافيين ونشطاء، مما أثار موجة تنديد واسعة ودعوات للإضراب من قبل المحامين، معبرين عن تضامنهم مع المحامية سنية الدهماني.
- التعليقات على الحادثة تشير إلى توقعات بتصاعد القمع ضد مختلف الفئات في تونس، مع تأكيد على أن الصمت أو التواطؤ مع القمع سيؤدي إلى تفاقم الوضع.
- رئيس فرع المحامين في تونس يدعو جميع القوى الحية للوقوف صفاً واحداً دفاعاً عن الحريات والكرامة، في ظل استمرار الانقسامات والعداءات الأيديولوجية التي تهدد بتفاقم الأزمة.

عاشت تونس خلال نهاية الأسبوع الماضي حملة اعتقالات وتحقيقات، شملت محامية وصحافيين ونشطاء. وأثار اقتحام الشرطة دار المحامي وسط العاصمة، والقبض على المحامية سنية الدهماني، المتحصّنة في المقرّ، موجة تنديد واسعة، خصوصاً من المحامين الذين سارعوا ليلة السبت إلى دار المحامي للتعبير عن تضامنهم مع زميلتهم، والتنديد بهذه السابقة الخطيرة التي لم تحدُث مطلقاً في السابق برغم كل التطوّرات التي شهدتها البلاد، على حد تعبير رئيس فرع المحامين في تونس، العروسي زقير.

وأعلن محامو محافظات تونس الكبرى دخولهم في إضراب عام بداية من اليوم الاثنين، واستعدادهم لأشكال احتجاجية أخرى. ودعا زقير "كل القوى الحيّة في البلاد إلى الوقوف صفاً واحداً للدفاع عن كرامة المواطنين وحرياتهم"، وهذا بيت القصيد.

التعليقات التي جاءت بعد هذه الحادثة كانت تشير إلى جوهر ما حدث مساء السبت، وكانت تذكّر، في أغلبها، بتوقعاتٍ لم تكن خافية على أحد بأن هذه الماكينة ستدوس على الجميع، بعد أن سكت الجميع على ضرب القضاة، وعلى ضرب الصحافيين، وغلق مقرّات الأحزاب، وزجّ قيادة سياسيين في السجن. وفي كل مرّة، كانت الأغلبية صامتة أو متواطئة، أو شامتة في غريم سياسي، أو متوقعة أنها ستسلم من المحرقة، أو حاسبة أنها ستغنم من المشهد الجديد، إلى أن سقطت كل الحسابات، وتبيّن للجميع أنها كانت أوهاما سرعان ما استفاقوا منها على الحقيقة المرّة: لن يسلم أحد. حتى أولئك المحسوبين على الموالاة يصرخون اليوم يحاولون التنصّل من الورطة التي وقعوا فيها، ولكن لا أحد يسمعهم أو يعيرهم اهتماماً.

خرج أنصار جبهة الخلاص الوطني، صباح أمس الأحد، يتظاهرون دفاعاً عن الحرية والديمقراطية، كما كانوا يفعلون طوال الأشهر الماضية، بينما كان الآخرون يتفرّجون عليهم، غير معنيين، متهكمين أحيانا وشامتين أحيانا أخرى. وبرغم كل التطورات الخطيرة التي حصلت في البلاد في الأشهر الأخيرة، واليومين الأخيرين، لم يتّحد المعارضون، ولم نرهم أمس في مسيرة الجبهة، بالرغم من أن الشعارات المرفوعة كانت شعارات الأحزاب الأخرى نفسها والمطالب نفسها، والسبب؟ حسابات سياسية وأوهام أيديولوجية لا تمّحي.

ما قاله رئيس فرع تونس للمحامين هو الدواء الوحيد لتونس: "على كل القوى الحية في البلاد، الوقوف صفا واحدا للدفاع عن كرامة المواطنين وحرّياتهم"، وغير ذلك هراء، وصراخ في صحراء، بينما ستواصل مسلسل السقوط، وسيندم الجميع. ولكن واقعيّين أو متشائمين كثيرين في تونس يرون أن شيئاً من ذلك لن يحدُث، لأن العمى الأيديولوجي تمكّن من جزء كبير من ساسة تونس ونخبتها، وأنهم سيتواصلون على العداء نفسه والانقسام نفسه، ليتواصل الوضع على ما هو عليه.

المساهمون