الجريمة عابرة الحدود...تعاون مليشيات سودانية ليبية في الاتجار بالبشر

المليشيات التي تمنع الانتقال السياسي متورطة في تهريب البشر
13 مايو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- تعاون بين مليشيا الدعم السريع السودانية ومليشيات خليفة حفتر في تهريب البشر عبر الحدود السودانية الليبية، يولد أرباحاً طائلة من خلال احتجاز المهاجرين وطلب فدية.
- المهاجرون يواجهون رحلات خطيرة وظروفاً إنسانية قاسية، بما في ذلك الاحتجاز والمطالبة بدفع المزيد من الأموال، وأحياناً العمل القسري.
- الأرباح من تهريب البشر تقوي المليشيات وتسهم في استمرار النزاعات، مما يبرز الحاجة لحلول دولية لمعالجة أزمة الهجرة والاتجار بالبشر.

تتعاون مليشيا الدعم السريع مع نظيرتها على الجانب الليبي التابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، إذ ينشطان على مسار بين البلدين لتهريب البشر والاتجار بالمهاجرين غير الشرعيين، ويحققان أرباحاً بملايين الدولارات.

- وصل الخمسيني السوداني إدريس عثمان إلى ليبيا بعدما دفع 1500 دولار أميركي إلى مهرب بشر في بلاده يعمل مع مسلحين تابعين لمليشيا الدعم السريع ويسيطرون على المناطق الحدودية بين البلدين، وخاض عثمان رحلة أوشك على الهلاك فيها من أجل الهجرة إلى أوروبا، وبدأها في نهاية عام 2019 من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان.

لكن كل ما مر به ليس خطرا مثل احتجازه بعد وصوله إلى منطقة الكفرة جنوب شرقي ليبيا في مركز إيواء من قبل مسلحين يتبعون مليشيا الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وقد طالبوه بدفع ثلاثة آلاف دولار، مقابل إطلاق سراحه، كما روى لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "باعتنىي قوات الدعم السريع إلى مليشيا حفتر التي تواصلت مع أسرتي، حتى تدفع فدية مقابل الإفراج عني"، مؤكدا وجود تجارة نشطة بالمهاجرين على الحدود السودانية الليبية، وهو ما يتطابق مع ما يوثقه تقرير "الأضرار متعددة الأطراف: تأثير سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي على طرق الصحراء الوسطى" الصادر عن المعهد الهولندي للعلاقات الدولية (مؤسسة فكرية وأكاديمية مستقلة) في سبتمبر/أيلول 2018.

و"يسلم عناصر من قوات الدعم السريع المهاجرين إلى تجار بشر ليبيين يحتجزونهم ويعذبونهم ويضغطون على أقاربهم من أجل دفع المال مقابل إطلاق سراحهم أو إجبارهم على العمل القسري دون أجر"، وفق التقرير الذي عرض حالة "مواطن دارفوري جرى تسلميه مع زوجته و100 مهاجر من بلدان مختلفة إلى مسلحين ليبيين يرتدون الزي الرسمي قدموا على متن أربع شاحنات صغيرة، اثنتين مطليتين باللون البيج العسكري وعليهما الأعلام الليبية، وتم نقلهم إلى مزرعة قرب مدينة أم الأرانب جنوبي ليبيا، وقيل لهم: "نعلم أنكم تريدون الذهاب إلى أوروبا، لكنكم عبيدنا. لقد تم بيعكم لنا".

و"يعترف عضو من قوات الدعم السريع بتلقي أموال مقابل كل مهاجر يتم تسليمه إلى شركائهم وهم إما مليشيات ليبية أو مدنيون"، مؤكدا أن "أعضاء من كتيبة سبل السلام (قوة سلفية تابعة لمليشيا حفتر) متورطون في هذه العملية" بحسب التقرير.

"وتتعاون كتيبة سبل السلام مع قوات الدعم السريع على تهريب المهاجرين عبر المناطق التي تسيطر عليها"، كما يؤكد الباحث المتخصص في عمليات الاتجار وتهريب البشر من أفريقيا إلى أوروبا، مارك ميكاليف Mark Micallef، مدير مرصد شمال أفريقيا والساحل في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية.

 

كيف ينسق المهربون مع المليشيات؟

يتفق مهربو البشر السودانيون مع مليشيات الدعم السريع، من أجل السماح بمرور المهاجرين في اتجاه ليبيا، كما يقول المهرب الليبي سالم الزوي، المعروف بـ"ابن غريبة"، والذي يستلم المهاجرين غير الشرعيين القادمين من جبل العوينات أقصى شمال غرب السودان ويوصلهم إلى الكفرة جنوب شرقي البلاد، أو سبها جنوب غربي ليبيا أو أجدابيا في الشرق أو سرت شمالا، ولا يمكن اجتياز الحدود دون التنسيق بين المسلحين على الجانبين كما يقول لمعد التحقيق الذي التقاه في مدينة الكفرة، مؤكدا أن المليشيا السودانية تتبع قوات الدعم السريع وفي الكفرة يعمل حرس حدود ليبيون تابعون لمليشيا حفتر، وكل مهاجر غير شرعي، عليه أن يدفع 1500 دولار للمسلحين التابعين لمليشيا الدعم السريع، و1500 لمليشيا حفتر، وبعد الوصول إلى ليبيا يدفع 3 آلاف دولار آخرى من أجل مواصلة الرحلة إلى أوروبا.

ويتدفق المهاجرون إلى ليبيا من الخرطوم ويتجهون إلى مدينة دنقلا شمالي السودان، ثم يتحركون إلى منطقة جبل العوينات الواقعة شمال غربي السودان من أجل عبور الحدود السودانية الليبية ومنها إلى الكفرة، وغربا يتجه سكان دارفور والمهاجرون من أجزاء أخرى من القرن الأفريقي بواسطة السيارات من مدينة الفاشر نحو مليط والمالحة الواقعة في أقصى شمال ولاية شمال دارفور، ثم شمالاً إلى الحدود الليبية ومنها إلى الكفرة، وفق إفادات ثلاثة مهاجرين، ومنهم الثلاثيني السوداني سر حبيب، الذي دفع 1500 دولار لمسلحين تابعين للدعم السريع على الحدود السودانية الليبية في مارس/آذار 2022، بعدما خيروه بين التجنيد في صفوفهم أو دفع المال مقابل تسهيل هجرته إلى ليبيا، كما روى لـ"العربي الجديد".

 

أرباح بملايين الدولارات

بدأت سيطرة قوات الدعم السريع على الحدود السودانية مع ليبيا بعد ثلاث سنوات من اعتراف الدولة السودانية بها رسميا في عام 2013، إذ "نشرت 400 مركبة في منتصف عام 2016، من أجل مراقبة الحدود، وادعت أنها أوقفت أكثر من 1500 مهاجر ومهرب في النصف الثاني من ذات العام بالتزامن مع تقديم منحة من الاتحاد الأوروبي إلى السلطات السودانية بقيمة 40 مليون يورو ضمن عملية الخرطوم المصممة للحد من الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي إلى أوروبا"، بحسب تقرير "مشكلة التبو: بين وجود وغياب الدولة في مثلث تشاد والسودان وليبيا"، الصادر عن مشروع التقييم الأساسي للأمن البشري في السودان وجنوب السودان التابع لمسح الأسلحة الصغيرة وتقييم الأمن في شمال أفريقيا (بحثي مستقل) في منتصف عام 2017.

واستعان السوداني حسن بوطالب، بمهرب على علاقة مع مليشيات الدعم السريع، من أجل الانتقال إلى ليبيا، وبعدما دفع المبلغ المتفق عليه جرى نقله مع آخرين عبر سيارات صحراوية من منطقة شمال كردفان وسط السودان، بعدما بقي فيها يوما ونصفا قبل أن يصل إلى منطقة جبل العوينات السوداني على الحدود الليبية في اليوم التالي، ثم جرى نقله بمعية 230 مهاجرا غير شرعي جلهم من السودان وإريتريا وجنوب السودان بواسطة سيارات أخرى إلى بلدة الجوف والتي تعد المركز الإداري لبلدية الكفرة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن أي شخص يسقط من السيارة المكتظة بالمهاجرين يتركه سائفها دون إنقاذ، ويتابع: "كنا نشرب القليل من الماء ونأكل القليل من الطعام طوال الرحلة".

ويدفع مهربو البشر إتاوات للتشكيلات المسلحة على الجانبين الليبي والسوداني كضريبة مرور، حسب الزوي، مؤكدا أن فصائل من قوات الدعم السريع تتقاضى عن كل مهاجر 100 دولار، يبنما تتقاضى كتائب من المليشيات المسلحة على الجانب الليبي 50 دولارا عن كل مهاجر.

يدفع مهربو البشر إتاوات للتشكيلات المسلحة في السودان وليبيا

و"أصبح تهريب المهاجرين غير الشرعيين وتسهيل مرورهم على طول الطرق العابرة للصحراء، صناعة مربحة للجماعات المسلحة، التي تجني من هذه الأنشطة إيرادات سنوية في ليبيا وحدها تقدر بما بين 89 مليونا و236 مليون دولار"، حسب ورقة بحثية صادرة عن معهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة، في بداية عام 2021، بعنوان "التدفقات المالية غير المشروعة واسترداد الأصول في ليبيا"، موضحة أن "تهريب البشر يرتبط بشكل وثيق بالمليشيات التي تمنع الانتقال السياسي السلمي وتوطيد الدولة، وتستخدم الأرباح الناتجة عن هذه التجارة لشراء الأسلحة".

الصورة
تعاون المليشيات في الاتجار  بالبشر

ويقر قيادي برتبة عقيد في كتيبة سبل السلام بمدينة الكفرة، رفض ذكر اسمه من أجل الموافقة على الحديث، بوجود تعاون عام بين مليشيا حفتر وقوات الدعم السريع في ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، مؤكدا لمعد التحقيق الذي التقاه في مدينة الكفرة في الخامس عشر من فبراير/ شباط 2024، أنهم يتسلمون المهاجرين غير الشرعيين من قوات الدعم السريع، ويسهلون عبورهم في طريقهم من أجل الهجرة إلى أوروبا عبر المنطقة الشرقية أو منطقة صرمان أو الزاوية الواقعتين على ساحل البحر الأبيض المتوسّط غرب طرابلس، ويشير إلى أن المهاجر الواحد يدفع ثلاثة آلاف دولار، نصف هذا المبلغ يذهب لصالح حرس الحدود في الكفرة.

 

استعباد رغم دفع المبالغ المطلوبة

ينتهي الأمر بالمهاجرين غير الشرعيين إلى استغلالهم على يد مهربي البشر الذين جلبوهم لمدة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام على الرغم من دفعهم تكاليف عبور البحر الأبيض المتوسط، كما يؤكد بوطالب، الذي اُحتجز لدى وصوله إلى مدينة أجدابيا في أكتوبر/تشرين الأول 2022، داخل مخزن مواد غذائية حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول من نفس العام كما يقول، مضيفا بألم:" نمنا على الأرض إلى جوار بعضنا بدون أغطية والطعام كان يقتصر على الخبز والماء إن وجد".

ولأن بوطالب لا يملك المال من أجل دفع رشى لإطلاق سراحه، تم نقله للعمل في مزرعة بأجدابيا دون مقابل مالي، واستمر بها ستة أشهر حتى تمكن في يونيو/حزيران 2023، من الهرب ومواصلة الرحلة مع عمالة مصرية إلى طرابلس، مضيفا: "أعمل حاليا بائعا متجولا، لكنني خائف، ولا أعرف ماذا ينتظرني وأخشى من اعتقالي مجددا لعدم وجود أوراق رسمية معي".

تبتز مليشيا حفتر المهاجرين غير الشرعيين وتجبرهم على العمل القسري

وعلى الرغم من تقديم المهربين وعودا إلى المهاجرين غير الشرعيين بأن المبلغ المدفوع سيمكنهم بعد الوصول إلى ليبيا من الهجرة إلى إيطاليا أو اليونان، إلا أنهم بعد تسليمهم إلى مليشيا حفتر يفاجأون بمطالبتهم بدفع مبلغ مالي آخر أو السجن أو العمل دون مقابل، وفق تأكيد سر حبيب، قائلا: " دفعت أربعة آلاف دولار، منها 1500 دولار لقوات الدعم السريع و2500 دفعتها لمليشيات مسلحة في الكفرة، بعدها انتقلت إلى مدينة بنغازي في إبريل/نيسان 2023، وتم وضعي في أحد مراكز إيواء المهاجرين هناك، قبل تمكني من خوض محاولة العبور إلى اليونان، لكن تم القبض علينا من قوات خفر السواحل قبالة ميناء بنغازي وضاعت أحلامي مع أموالي".