عمال غزة في مهب الحرب: تشرّد الآلاف وسط ظروف قاهرة

عمال غزة في مهب الحرب: تشرّد الآلاف وسط ظروف قاهرة

02 مايو 2024
فلسطينيون يعملون ببيع الدجاج المشوي في دير البلح، 9 إبريل 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في يوم العُمال العالمي، واجه عمال غزة ظروفًا مأساوية بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي والحصار المفروض على القطاع، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وفقدان العديد منهم لأعمالهم.
- الأزمة الاقتصادية تفاقمت بشكل كبير، حيث شهدت نسب البطالة والفقر ارتفاعًا حادًا، وأصبحت غالبية العمال بدون مهن بسبب شلل القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الصيد والزراعة.
- الوضع الحالي يعكس ظروفًا معقدة واستثنائية، حيث تجاوزت نسبة البطالة 90%، مما يضع العمال في حالة بحث دائم عن السكن والأمان بدلاً من الاحتفال بيوم العمال العالمي.

استقبل عمال غزة أمس الأربعاء، يوم العُمال العالمي، وسط ظروف مأساوية، بفعل تواصل العدوان الإسرائيلي للشهر السابع على التوالي، الأمر الذي فاقم من أوضاعهم السيئة، الناتجة عن الحصار المفروض على القطاع مُنذ سبعة عشر عاماً.

وتسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتدمير واسع في البنية التحتية، والأسواق والأبراج والمنشآت السكنية والمدنية، التي تضم الشركات، والمحال التجارية، ما تسبب بفُقدان مئات الآلاف من عمال غزة أعمالهم، والتي كانت بالكاد تكفيهم لتوفير مُتطلبات أسرهم الأساسية.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة، التي كان يفرضها الحصار الإسرائيلي قبل العدوان، والإغلاق المتواصل للمعابر، ومنع دخول العديد من السلع بحُجة الاستخدام المزدوج، فإن العدوان الإسرائيلي ضاعف من ويلات الأزمة الاقتصادية، ونسب الفقر والبطالة، حيث كان سكان القطاع يُعانون نسب بطالة مرتفعة، اقتربت من سقف 50%، إلى جانب 75% في صفوف الشباب والخريجين، علاوة على تخطي الفقر نسبة 80%، من الفلسطينيين الذين يعتمدون على المُساعدات المالية والغذائية والإغاثية.

عمال غزة بلا وظائف

وتسبب العدوان الإسرائيلي بشلل كامل في مُختلف القطاعات الاقتصادية بفعل حالة التدمير الواسعة، والتي تجاوزت 70% من المُنشآت والبنية التحتية، والشركات، والمصانع، والأسواق الشعبية، والمحال التجارية، والمولات، ما أدى إلى فُقدان غالبية عمال غزة مهنهم البسيطة التي كانوا يقتاتون منها.

ولم يكتفِ العدوان بالتأثير في القطاعات التجارية والصناعية، وإنما تجاوز ذلك ليُصيب قطاع الصيد، والذي يضُم نحو 4500 صياد، وقطاع الزراعة الذي يضم نحو خمسة آلاف وخمسمائة مزارع، ويُشكِلان بمجموعهما نحو 40% من الناتج المحلي الفلسطيني في قِطاع غزة، وذلك عبر الاستهداف المُباشر للصيادين داخل المناطق التي يدعي أنها آمنة، إلى جانب تجريف الحدود الشرقية لغزة، والتي تفصل القطاع عن الأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1948.

نزوح بلا عمل

ويقول الفلسطيني جعفر الجد، إنه فقد عمله في حراسة مُنشأة سكنية مُنذ الأسبوع الأول للحرب الإسرائيلية، بعد أن أجبر الاحتلال السكان على إخلاء المُربع السكني تمهيداً لتدميره، "لم يعُد لأطفالي أي مصدر دخل بعد تدمير المبنى، وتدمير المهنة ذات الدخل المحدود".

ويلفت الجد لـ"العربي الجديد" إلى أنه لم يتمكن من توفير أي فرصة عمل بديلة مُنذ نزوحه إلى مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، فيما بات يعتمد بشكل أساسي على بعض المُساعدات الشحيحة التي يجري توفيرها داخل مدرسة الإيواء، مُضيفاً: "نضطر في بعض الأحيان إلى بيع أصناف، وتبديلها بأصناف أخرى أكثر أهمية".

أما الفلسطيني كرم عبد الرازق، الذي يعمل في أحد محال بيع الإكسسوارات ومواد التجميل، فيقول إن الاحتلال الإسرائيلي قام بتدمير وتجريف سوق الشجاعية المركزي، والذي يضم مئات المحال التجارية والبسطات الشعبية، ما أفقده وعدد كبير من زملائه مصدر عيشهم.

ويوضح عبد الرازق لـ"العربي الجديد" أن العدوان الإسرائيلي لم يُفقده مصدر دخله الوحيد فحسب، وإنما أفقده منزل عائلته في حي النصر وسط مدينة غزة، علاوة على إجباره على النزوح نحو مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في ظل ظروف إنسانية، وصحية، ومعيشية غاية في السوء.

لا مجال للإبحار
مُنذ بداية الحرب لم يتمكن الفلسطيني محمد الهِسي من الإبحار، وممارسة مهنة الصيد التي تشتهر بها عائلته، وذلك بفعل الخطورة العالية نتيجة استهداف الزوارق الحربية الإسرائيلية كل من يقترب من سواحل مدينة غزة، إلى جانب تدمير أجزاء واسعة من الميناء، بما فيها من قوارب صيد، وشِباك، ومُعدات.

ويلفت الهسي إلى أن قطاع الصيد كان يُعاني قبل الحرب بشكل كبير، بفعل إطلاق النار والمُلاحقات الإسرائيلية المتواصلة داخل المساحات المسموح بالصيد فيها، إلى جانب التأثيرات السلبية الكبيرة لإغلاق المعابر، ومنع دخول مادة الفيبر جلاس، والمُحركات، وقطع الغيار اللازمة لإصلاح المراكب المعطوبة والمُتضررة.

ويُشير الهسي إلى أن العدوان الإسرائيلي، والذي يترافق مع حالة النزوح القاسية تسبب بواقع صعب ومأساوي عند شريحة العُمال، و"الصنايعية"، فيما تتضاعف مُعاناة العاملين في مهنتي الصيد والزراعة، والذين يعتمدون في رزقهم على المهن المتوارثة من الآباء والأجداد. ويقول: "لا يُمكنني العمل سوى في مهنة الصيد التي اعتدت عليها مُنذ صِغري".

مأساة مئات الآلاف

يلفِت رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تسبب بخسارة مئات الآلاف من عمال غزة لمصادر رزقهم، بفعل القصف المُباشر للبنايات السكنية التي تضم الشركات والمحال التجارية، كذلك تدمير المخازن والأسواق والمصانع التي توفر فرص العمل التي تُمكنهم من تدبُّر أمورهم.

ويُبين العمصي لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال الإسرائيلي مُنذ اليوم الأول للعدوان، يُحاول التنغيص على شرائح الشعب الفلسطيني كافة، ومن ضمنهم شريحة العُمال في مختلف المجالات، وذلك عبر الاستهداف المتواصل، والتدمير الواسع، والذي استهدف كذلك البنوك، ومكاتب الصرافة، الأمر الذي تسبب بغياب السيولة، وانعدام القدرة الشرائية.

تدمير الزراعة

ويُشير رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة إلى أن الاحتلال تسبب بتدمير القطاع الزراعي، والذي يشكّل نحو 25% من الاقتصاد الفلسطيني، والذي كان يخطو في السنوات التي سبقت الحرب لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وذلك من خلال قصف وتجريف الأراضي الزراعية، والتي تُنتج السلة الغذائية لأهالي القطاع.

يُشير رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة إلى أن الاحتلال تسبب بتدمير القطاع الزراعي

 

يأتي ذلك فيما أفقد العدوان عشرات الآلاف من عُمال الإنشاءات والبناء ومُختلف المِهن الصغيرة أعمالهم، إلى جانب خسارة عشرات الآلاف من العُمال أصحاب التصاريح أعمالهم داخل الخط الأخضر. (المُدن الفلسطينية المُحتلة عام 1948).

ويصف العمصي العدوان الإسرائيلي بأنه أبشع جريمة عقاب جماعي للفلسطينيين، كذلك الحِصار الذي تسبب على مدار السنوات السابقة بالتضييق على شريحة العُمال ومحاربتهم في قوت أطفالهم، داعياً المؤسسات الدولية إلى التحرك لوقف الحرب، والمُساهمة في إعادة إعمار القطاع، وتوفير فرص العمل المُناسبة لمئات الآلاف من عمال غزة المُتعطلين عن أعمالهم.

في الإطار، يقول الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب: "جاء يوم العمال في ظل ظروف معقدة واستثنائية في قطاع غزة، إذ لا عيد ولا عمل، حيث تتواصل الإجازة القسرية للعمال والموظفين في قطاع غزة منذ سبعة أشهر بحكم الاحتلال والحرب والتدمير الذي أتى على كل منافذ العمل في غزة، سواء على صعيد القطاع الخاص أو القطاع الحكومي".

ويوضح أن العدوان الإسرائيلي تسبب في تدمير قطاعات الصناعة، والزراعة، والخدمات، والتكنولوجيا والبرمجة، والإنشاءات وغيرها، ما أدى إلى تضاعف نسب البطالة. وأضاف: "نسبة البطالة قبل العدوان كانت تصل إلى 48%، فيما وصلت الآن إلى ما يزيد عن 90% في قطاع غزة، حيث بات العُمال في تعداد البطالة الحقيقية التي تفتقد لأي مصادر دخل".

ويُبين أبو جياب أن شريحة العُمال باتت تعاني، في ظل عدم وجود مأوى، قائلاً: "الآن عمال غزة منشغلون بالبحث عن السكن، والتنقل من مكان إلى آخر للحفاظ على حياتهم وأولادهم، وقد تحول هذا اليوم العالمي من عيد للعُمال والمطالبة بحقوقهم، إلى عيد دموي خاص بالفقد والفقر والبؤس والنزوح والموت والخوف".

وكان الفلسطينيون يحيون في بداية مايو/ أيار من كل عام يوم العُمال العالمي، عبر تنفيذ التظاهرات والفعاليات والمؤتمرات الشعبية المُطالِبة بإنصافهم، والمؤكدة على ضرورة وقف المُمارسات الإسرائيلية العدائية بحقهم، والتي تُحاربهم في مهنهم الصغيرة، وفي لقمة عيشهم.