إلى أي مدى خسرت إسرائيل تمويل الغرب؟

17 مايو 2024
تظاهر في جامعة جنوب كاليفورنيا نصرة لفلسطين (بارتريك فالون/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد الحرب على غزة، ظهرت مؤشرات على فقدان إسرائيل للدعم الغربي، خصوصًا من الولايات المتحدة التي كانت تدعمها ماليًا منذ 1949، مع تزايد المعارضة لسياساتها بين الشباب الأمريكي والأوروبي.
- الاحتجاجات الطلابية وتراجع الدعم الحزبي في الغرب يعكسان تنامي الوعي بالقضية الفلسطينية والرفض للسياسات الإسرائيلية، مما يضع ضغوطًا على الأحزاب التقليدية ويقلل من تأثير اللوبيات الداعمة لإسرائيل.
- الدعم المالي والعسكري الأمريكي لإسرائيل بات موضع تساؤل، مع دعوات لإعادة تقييم العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. تقليص أو وقف المساعدات قد يؤدي إلى تحديات اقتصادية واجتماعية داخل إسرائيل، مؤثرًا على استقرارها وموقفها العسكري.

إلى أي مدى فقد "الكيان المحتل" جدواه الاقتصادية والسياسية للكفيل الغربي بعد حرب غزة؟ وهل باتت إسرائيل عبئا ماليا وسياسيا على واشنطن، وإلى مدى باتت تضر بمكانة الدولة العظمى للولايات المتحدة وأوروبا؟ أسئلة باتت تطرح بقوة بالعواصم الغربية في أعقاب الحرب العدوانية على غزة التي دخلت شهرها الثامن وسط صمود المقاومة الفلسطينية في وجه القصف المتواصل والحصار والدعم الغربي المادي والنوعي اللامحدود للكيان المحتل.

على صعيد الداخل الأميركي، من الواضح أن الكيان الإسرائيلي بات يخسر الدعم الشعبي والسياسي المهم لبقائه في المستقبل، حيث دعمت الولايات المتحدة الكيان بنحو 300 مليار دولار منذ العام 1949. فقد أظهر استفتاء غالوب الذي أجري في مارس/آذار الماضي، أن 55% من الشباب يعارضون إسرائيل وحربها البشعة على غزة. وترجمت هذه المعارضة في المظاهرات الشعبية بالعواصم الغربية والاحتجاجات الطلابية الحاشدة في الجامعات الأميركية والأوروبية العريقة، مثل هارفارد وكولومبيا وستانفورد وجنوب كاليفورنيا وأوكسفورد والسوربون.

وتشير هذه الاحتجاجات التي فاضت بها الشوارع، إلى أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي بدأ يفقد عملياً الدعم الغربي، وأن مستقبل بقاء الكيان لم يعد مرغوباً فيه وسط الأجيال المقبلة وفق مراقبين. وفي استفتاء "بيو" الذي أجري في فبراير/ شباط، أعرب 56% من الشباب الأميركي بين سن 18 و29 سنة عن معارضتهم لإسرائيل واحتجاجهم على عدوانها على قطاع غزة ويرون أنها على خطأ.

وهذه الفئة العمرية المؤثرة في الانتخابات الأميركية ستضع بصماتها في إدارة القرار خلال السنوات المقبلة. كما أن هذه الأجيال الجديدة هي التي ستقود الفكر الغربي وستدير مؤسساته المالية والاقتصادية وتشكل الاستراتيجيات الجديدة لأميركا وأوروبا في المستقبل.

كما أظهر تحليل بمعهد الدراسات الخارجية البريطاني " تشاتام هاوس" تراجع الدعم الحزبي لإسرائيل في أوروبا وأميركا داخل الأحزاب التقليدية رغم تهديد وإغراءات اللوبيات السياسية والمالية في أوروبا ونفوذ" أيباك"، اللوبي القوي والغني الذي يدعم إسرائيل في أميركا. وحسب مسح غالوب في فبراير/ شباط تراجع الدعم السياسي لإسرائيل بنسبة 18% لدى الحزب الديمقراطي و7% لدى الحزب الجمهوري في أميركا وربما يكون تراجع بنسبة كبيرة في البرلمان الأوروبي الذي يطالب بعض أعضائه بفرض عقوبات اقتصادية على الكيان الصهيوني.

ومن الواضح أن عملية " طوفان الأقصى" وما تلاها من العدوان على غزة أحدثت تحولاً جذرياً في الرأي العام الأميركي والأوروبي وبثت الوعي حول الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. ويشير مسح بيو إلى أن البالغين الأصغر سناً في الولايات المتحدة يعارضون تقديم الولايات المتحدة معونات عسكرية ومالية لإسرائيل مقارنة بكبار السن.

في هذا الصدد، يقول ستيفن أم والت الزميل بمعهد بلفور للدراسات بجامعة هارفارد في تحليل بصحيفة " فورن بوليسي"، إن الفوائد الأميركية من دعم إسرائيل لم تعد تساوي الكلفة التي تدفعها البلاد وحان الوقت لإنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل. ويضيف في تحليله، أن الحرب الإسرائيلية على غزة قدمت المزيد من الأدلة على أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقدم لإسرائيل دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا غير مشروط. وأشار إلى أن فوائد هذه السياسة صفر للولايات المتحدة، مقارنة بتكاليفها المرتفعة والمتزايدة.

وقال: بدلاً من العلاقة الخاصة، تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى علاقة طبيعية، علماً أنه مع تزايد العزلة الدولية لإسرائيل، أصبح اعتمادها على الغطاء الدبلوماسي الأميركي شبه كامل.

وتشير بيانات مكتبة الكونغرس في واشنطن، إلى أن إسرائيل تلقت معونات مالية بلغت 160.5 مليار دولار منذ إنشائها وحتى نهاية 2023. إضافة إلى الدعم الذي تتلقاه حالياً خلال العام الجاري وهي تواصل اجتياح غزة. ويعادل الدعم المالي الأميركي بحساب التضخم، أي القيمة الشرائية للدولار اليوم، 300 مليار دولار، وفق حسابات مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وذلك إضافة إلى الدعم الفني والتقني والتدريب من قبل الجيش الأميركي والتدخل العسكري المباشر لدعم جيش الاحتلال في حروبه العدوانية ضد الفلسطينيين والدول العربية واستخدام أميركا لنفوذها الدبلوماسي في المؤسسات الأممية.

ويقول والت في تحليله، إن دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل يجعل من الصعب على واشنطن أن تطالب بأرضية أخلاقية عالية على المسرح العالمي. ويلاحظ أن أميركا وقفت معزولة في انتخابات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت بشبه إجماع لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

كما يشير إلى أن التكلفة السياسية الثانية لهذه العلاقة الخاصة، هي أن إسرائيل تحظى باهتمام السياسة الخارجية الأميركية أكثر مما تستحق، وبالتالي تشغل واشنطن عن قضايا استراتيجية مثل التنافس الاقتصادي والتجاري مع الصين والحرب في أوكرانيا والانتعاش الاقتصادي.

أما بالنسبة للدعم المالي، فوفق بيانات أبحاث الكونغرس الأميركي بلغ إجمالي المساعدة الأميركية لإسرائيل، منذ تأسيسها عام 1949 حتى عام 2016، ما يقرب من 125 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم، مما يجعل إسرائيل أكبر مستفيد من المساعدات الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وبحلول نهاية حزمة المساعدات العسكرية التي مدتها عشر سنوات والتي تم الاتفاق عليها مؤخرًا للفترة 2019-2028، سيبلغ الرقم الإجمالي حوالي 170 مليار دولار. وشكلت المساعدات الأميركية في السنوات الأخيرة حوالي 3%من إجمالي الميزانية لإسرائيل، و1% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفق دراسة تحليليه بجامعة هارفارد.

وترى الدراسة أن وقف المساعدات الأميركية سيعني أن إسرائيل ستضطر إلى تنفيذ برنامج تقشفي كبير وإجراء تخفيضات مؤلمة لميزانية إسرائيل المنهكة بالفعل لتلبية الاحتياجات المحلية، مثل الصحة والتعليم، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية داخل إسرائيل التي تعاني من تجاذبات عرقية ودينية. ويرى التحليل أن التأثير الحقيقي سيكون على ميزانية الدفاع الإسرائيلية، التي شكلت المساعدات الأميركية ما يقرب من 20% منها، ونحو 40% من ميزانية الجيش الإسرائيلي.

ويعتقد تحليل هارفارد أن وقف المساعدات الأميركية سيكون له تأثير مدمر على الموقف العسكري لإسرائيل، ما لم تتم إعادة ترتيب كبيرة للأولويات في إسرائيل. وسيكون لمثل هذا الترتيب تداعيات اقتصادية واجتماعية عميقة على الإسرائيليين. ويخلص التحليل إلى أن إسرائيل بدون الدعم الأميركي ستبقى دولة ضعيفة ولن تتمكن أي من الدول الكبرى الأخرى المنتجة للأسلحة اليوم، حتى تلك المناصرة لها مثل بريطانيا، وفرنسا وحتى دول مثل روسيا، والصين من تعويض إسرائيل عسكرياً في حال خسارتها دعم الولايات المتحدة. ومن المؤكد أنه لن يكون هناك من يرغب في توفير التمويل لدولة الكيان المحتل، وعلى أية حال، لا يوجد بديل نوعي للأسلحة الأميركية.

والولايات المتحدة ملتزمة بموجب العلاقة الخاصة مع إسرائيل بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وهذا التعهد الأميركي يعتبر "سلاح الردع" الذي تستخدمه تل أبيب ضد دول الشرق الأوسط. وحسب تقرير مكتبة الكونغرس، قدمت أميركا نحو 88 مليون دولار للقبة الحديدية التي تستخدمها إسرائيل ضد طائرات الدارون بين أعوام 2020 و2023، كما قدمت معونات للدفاع الصاروخي بلغت 6.616 مليارات دولار. ويرى اللواء احتياط بالجيش الإسرائيلي، إسحاق بريك، في تصريحات نقلها "فيسبوك" يوم الأربعاء، أن استمرار الحكومة في الحرب سيقود إلى انهيار الجيش الإسرائيلي ودمار الاقتصاد.

المساهمون