مع غزّة: يحيى محمّد المختار

06 مايو 2024
يحيى محمد المختار
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأكاديمي المصري يعبر عن تأثره العميق بالأحداث في غزة، مشيرًا إلى القلق والحزن الذي يشعر به وأهمية العمل الإبداعي كوسيلة لمقاومة العدوان وفضح جرائمه.
- يناقش الدور الذي يمكن أن يلعبه في تقديم الدعم المباشر للمتضررين من خلال العمل الإنساني أو التطوعي، لو أتيحت له فرصة إعادة تحديد مسار حياته.
- يختتم بدعوة للوحدة والتضامن مع سكان غزة، مؤكدًا على تضامنه مع الأطفال والمقاومين هناك، ويشدد على أن الكلمات لا تكفي للتعبير عن الإعجاب بصمودهم وتضحياتهم.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "القوّة لا تُواجَه إلا بالقوّة، غير أنّ العمل الإبداعي يبقى فعّالًا في مواجهة حرب الإبادة"، يقول الأكاديمي والمُترجم المصري.


ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
القتل والهدم والإبادة واستمرار العدوان من دون وجود أيّ بادرة لتسوية نهائية أو مَخرج من هذه الكارثة، فالأوضاع الإنسانيّة والمعيشيّة لم تعُد تحتمل الاستمرار بهذا الشكل. وعلى الرغم من وجود تضامنٍ عربيّ على "الصعيد الشعبيّ"، مُتمثِّلًا ببعض الدعم المادّي والمعنوي، والذي من شأنه الضغط على الحكومات، إلا أنَّ استمرار الوضع الحالي قد يُضعف من زخم هذا التضامن، وهو ما سيزيد من وقع الكارثة. لذا فاعتياد المشهد والصمت التدريجي يشكّل هاجسًا كبيرًا لي.


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
أثَّرَ بأنْ جعلني مهومًا، وفي حالة ترقّبٍ مستمرّةٍ لتطوّرات الأوضاع وأحوال السكان في غزّة، وغيَّر كثيرًا من الأولويات الحياتيّة، ومن ثم قلّص من الأوقات المخصَّصة لممارسة الأعمال اليوميّة، فالتركيز منصبٌّ على ما يتعرّض له سكّان القِطاع الأبرياء، والمشاعر مختلطة بين القلق والحزن بسبب القتل والهدم تارةً، والتحفّز والترقّب للعمليات التي يشنّها أبطال المقاومة وما يُلحقونه من خسائر بصفوف العدوّ الصهيونيّ تارةً أُخرى، وكلّ هذا بالطبع يؤثّر على الحالة المزاجية العامّة التي تنعكس على العمل الإبداعي عامّة.

الصمت واعتيادُ الإبادة هاجسٌ كبير لي


إلى أيّ درجة تشعر أنّ العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
بالرغم من يقيني بأنَّ القوّة لا تُواجَه إلا بالقوّة، أرى أنَّ العمل الإبداعي فعّالٌ في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيونيّ في فلسطين، فالإبداع سلاح المبدع، وله تأثير لا يقلّ أهميّة عن سلاح الجنود في المعارك، ويلعب دورًا كبيرًا في فضح جرائم العدوّ، ويُغيّر من المواقف ويضغط على أصحاب القرار لرفض أيّ تجاوزات وانتهاكات ضدّ القيم الإنسانية، فنحن نواجه حربًا إعلاميّة وثقافيّة شرسة في الوقت نفسه. وهناك أصواتٌ وأقلامٌ كان لها تأثير فعّال في إثارة تعاطُف شعوب العالم من أجل رفض الإبادة الجماعية، وشكّلت ضغطًا كبيرًا على حكوماتِهِم، خاصّة في الغرب الذي لم تتوقّف حكوماته عن مساندة العدوان الصهيونيّ الوحشيّ ضد سكّان غزّة. وقدرنا للأسف أنَّنا لا نملك سوى الكلمات، ولا يمكننا الصمت حيال ما يحدث، فهذا أضعف الإيمان.


لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
العمل الإنسانيّ أو التطوّعيّ، والانضمام إلى المجموعات التي تنشط في تنظيم القوافل الإنسانيّة والإغاثيّة. فعلى الرغم من أهمّية العمل الإبداعيّ، إلّا أنّ الكلمات قد لا تنجح في إحداث التأثير المطلوب، وتخفيف معاناة المتضرِّرين من الأطفال والشيوخ والنساء. كلّ ذلك يحتاج إلى عملٍ ميدانيٍّ لتوفير الاحتياجات الأساسيّة، وتقديم الدعم النفسي والروحي.

كلّ إنسان يعيش في قطاع غزّة هو شخصيّةٌ مقاوِمة


ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
العدالة والنزاهة وحرّية التعبير، والمساواة في تطبيق حقوق الإنسان وعدم الكيل بمكيالين أو ازدواجيّة المعايير، وخير مثال على ذلك الموقف الأوروبي والغربي ممّا يجري في غزّة وما يجري في أوكرانيا، حيث نجد التعاطف الكبير والمساعدات المالية والعسكريّة الضخمة لأوكرانيا، بينما يعارضون حتى أيّ قرارٍ لوقفٍ إنسانيٍّ لإطلاق النار، في الوقت الذي يعاني فيه سكّان غزّة مجاعات وأمراضاً ويفتقرون إلى أدنى مقوّمات الحياة؛ بسبب التعنّت في إدخال المساعدات الغذائية والدوائيّة، على الرغم من كونهم يعيشون في سجنٍ مفتوح منذ عقود طويلة.


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 
لن أختار شخصيّة بعينها، ففي رأيي أنَّ كلّ شخص يعيش في قطاع غزّة، كبيرًا كان أم صغيرًا، رجلًا أم امرأة، كلّ واحد منهم شخصيّة مقاوِمة، جميعهم أبطال قدّموا تضحيات بالغالي والنفيس تعجز الأقلام عن سردها، ولا يقلّ كفاحهم أو نضالهم عن أيّ شخصية تاريخيّة أو إبداعيّة مقاوِمة.

لا يمكننا الصمت حيال ما يحدث، وهذا أضعف الإيمان


كلمة تقولها للناس في غزّة؟
أقول لهم: نشعرُ بالخجل أمامكم، وبجرحٍ عميق؛ بسبب الثمن الفادح الذي تدفعونه من الأموال والأنفس، وكلّنا نفتخر بصمودكم الملحمي، ومهما قيل، تبقى الكلمات عاجزة عن أن تعزّيكم أو تُوفيكم حقّكم، ونطلب منكم العفو، وأن تسامحونا على تقصيرنا، فنحن أيضًا محاصَرون مثلكم بوحشية هذا العالَم. قلوبنا معكم، لا تجزعوا ولا تيأسوا، فالنصر حليفكم مهما طالت الغمّة واشتدّ العدوان، فهذا يقيننا وإيماننا.


كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
كفانا عجزًا وتخاذلًا. آن الأوان لنتّحد وتكون كلمتنا واحدة، فنحن أقوياء، وتأثيرنا بوصفنا قوّة عالميّة لا يُستهان به، علينا أن نكون أحرارًا فقط، وألّا نبخل بأيّ جهد لنصرة إخواننا في غزّة وفلسطين، ومقاومة العدوان الصهيوني بكلّ الوسائل الممكنة من تبرُّع ومقاطعة، وحتى بالدعاء.


حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
أقول لها: "كلّنا وأحرار العالم أهلُك وعائلتك".


بطاقة 
مترجم وأكاديمي مصري من مواليد عام 1982، حاصلٌ على الدكتوراه في الأدب العالمي والمقارَن من "جامعة بكين للغات والثقافة" بالصين. ترجم قرابة 30 كتابًا أدبيًّا وبحثيًّا من الصينية إلى العربية؛ من بينها في الرواية: "بكين - بكين" (2017) و"طلاق على الطريقة الصينية" (2020)، وفي القصّة: "حكايات من ضاحية بكين الغربية" (2023)، وفي الشعر: "معنى آخر للحرية" (2023)، وفي الدراسات: "الموسوعة الإسلامية الصينية" (2015).

مع غزة
التحديثات الحية

 

المساهمون