قصائد إلى غزّة ودرنة

28 أكتوبر 2023
أثناء البحث عن ناجين تحت الأنقاض في خانيونس بغزة، 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -

غزّة

هل كانت غزّة حجراً مدوّراً تضربه الريح؟
هل كانت غزّة دلو ماء على حافّة بئر؟
هل كانت غزّة ضحكة ولدٍ يلعب في خانيونس؟
هل كانت غزّة التفاتة ذئب في برّية؟
هل كانت غزّة كونشيرتو جثامين تدخل الساحة ضحىً؟
هل كانت غزّة قفزة حصان قبل أن يموت في معركة؟
هل كانت غزّة ظلّ فراشة تحت عريشة عنب؟
هل كانت غزّة زفرةً حرّى تسقط على كفّ طفلة؟
هل كانت غزّة عين قتيل؟
هل كانت غزّة دماً يسيل أبيض مرّة وأخضر مرّة؟
هل كانت غزّة روحاً أطلقتها يدُ إله؟
هل كانت غزّة قلب سلطعون يركض تحت شمس حارّة؟
هل كانت غزّة سبّابة شقّت القمر؟
هل كانت غزّة صمت مجرّة عظيم؟


■ ■ ■


درنة

1

استيقظتُ فوجدتُ
سقف الغرفة بحراً،
قارباً يتّجه شمالاً
سترة القبطان
أزرارها الفضّية، تدنو وتبتعد.

2

ما قبضت قبضة من قلبي إلّا وجدتها تقطرُ بالحزن.
هكذا نحن، حصى يتقلّب مرّة للريح، ومرّة للشمس الحارقة.
أقول لنفسي:
على غفلة من الليل،
سأكون ذلك الضوء في الساحة
سأكون ذلك النخيل يحرس نوم الصحابة
سأكون تلك الغيمة فوق درنة وياسمين درنة.


■ ■ ■


نداء

يا حارس المدينة
لا توقظ الموتى
ارفع قنديلك إلى أعلى قليلاً
أو
امض إلى سريرك تحت شجرة التين

يا حارس المدينة
إن ضاعت أحلام المدينة
مَن يأتينا بمدينة جديدة؟


■ ■ ■


أيّ معنى

أيّ معنى للوقت،
حين تنزل الدمعة سهلة حارة،
ولا تفكّر في رعشة اليد التي تمسك بكوب الشاي،
أو تستيقظ قبل الفجر بساعات
تحاول أن تتذكّر أوّل مرّة قطفتَ فيها الموت!
أيّ معنى للوقت،
حين لا تعلم القرى والمدن،
إلى أين ترحل كلّ هذه الجثامين!


■ ■ ■


نخلتا الوادي

كلّما اغمضتُ عينيّ،
رأيت النخلتين الواقفتين على ضفّة الوادي، وسط البلاد.
وحدهما تعرفان عدد الذين أخذهم الماء إلى الماء،
عدد الصيحات الخائفة والصيحات المهشّمة،
عدد الذين غمرهم الرمل وسحب أنفاسهم واحداً واحداً.

النخلتان الحزينتان
اللتان
كانتا شاهدتين
على الموت العظيم!


■ ■ ■


بصيرة

أشِح بصركَ عن الوردة
اتبع أثر الطائر الذي حطّ ورحل
هل تعرف كيف تجد أثر الطائر في الهواء؟!
اتبعه بقلبك فهو خبير بأثر الطائر.


■ ■ ■


غزّة مرّةً ثانية

مدينة ليس فيها من الظلال إلّا
ما يتبع بشراً منهَكين
أو بنادق مرفوعة في الهواء،
أو ما يعقب دخان القنابل الساقطة من سماء مثقوبة،
أو جثامين كاملة ومتفرّقة، تحملها أكتاف عجلى.
مدينة يستيقظ أهلها على موت وينامون على موت،
غير أنّها لا تموت!


■ ■ ■


تقرير سياسي

قال لي وهو يتحسّس بأصابعه بتلات الأزهار بجانبه:
هل تعلم من أين يأتي الوقت لديّ؟
من رعشة يدي حين ألامس بها زهرة،
أو من سكينة شحيحة
أو حتى من صوت ماءٍ ينساب والناس نيام!

قلتُ له، هل تعلم من أين يأتي الحزن؟
من مذلّة لا ترحل عنّا،
من أدعية لا تُستجاب،
من كلام كبير كثير نتن وتعفَّن في الحناجر،
من بادية هجرها الرعاة والقطا،
من بلدان من ورق تلمع في صحراء روح مهزومة،
من خطوات لا تقدر على المسير،
خطوات بلّلتها دماء القتيل.


■ ■ ■


خريف حزين حقّاً

الصيف أخذ المطر والرعد والريح، لم يترك شيئاً للخريف.
حسب الخريف بضع بيضات مسلوقات على حطب زيتون نخره حفّار الساق،
حسبه أن يتمشّى قليلاً صوب البحر وهو يدعك عينيه المرمدتين،
حسبه الوقوف جنباً إلى جنب مع المصلّين في جنازات لا تتوقّف،
حسبه أن يستعيد مذاق حلوى من طفولة بعيدة،
حسبه في آخر الأمر أن يجمع أوراق الأشجار اليابسة ويعدّ الشاي لشتاء جديد.

لقد كان الخريف أكثر حزناً من الصيّاد العائد إلى المرفأ الصغير!


■ ■ ■


شذرتان

يركض الدرويش، تتدلّى من رقبته صحراء عظيمة!

*

أرواحهم نغمات ناي، تعلو وتخفت.
ويحَه، مَن على سلّمه، يتدحرج القمر!


* شاعر ومترجم من ليبيا

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون