شمعة الطلبة في الخراب الأميركي

شمعة الطلبة في الخراب الأميركي

01 مايو 2024
من احتجاجات الطلّاب في جامعة تكساس الأميركية (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عضو الكونغرس الأميركي يستخدم خطابًا دينيًا لقياس ولاء رئيسة جامعة كولومبيا لـ"إسرائيل"، مما يكشف عن تغلغل الصهيونية والأيديولوجيا الدينية في صناعة القرار الأميركي.
- الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" يعكس تماهيًا أيديولوجيًا ودينيًا، يُظهر نفاقًا غربيًا وتواطؤًا مع الصهيونية يصل إلى حد الإرهاب الأيديولوجي ضد الفلسطينيين.
- الاحتجاجات والمظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة ضد دعم "إسرائيل" والإبادة في غزة تُعيد الأمل في الضمير الإنساني، مستلهمة من أفكار إدوارد سعيد، وتُظهر إمكانية التغيير عبر النشاط الطلابي.

إنَّ مشهد عضو الكونغرس الأميركي ريك ألان وهو يُوجّه سؤالاً لرئيسة "جامعة كولومبيا"، البائسة نعمت شفيق، عمَّا إذا كانت تُؤمن أنّ من تُبارك له "إسرائيل" فهو مُبارك، ومَن تلعنه "إسرائيل" فهو ملعون، واستخدام خطاب ديني حَرْفي صرف لقياس الولاء السياسي لرئيسة الجامعة مشهدٌ سوريالي، لو لم يكُن حقيقياً. الصهيونية مُتغلغة في أروقة الحُكم الأميركي بطريقة تُثير الاشمئزاز، وكثير من المُحلِّلين ما زالوا يُعوّلون على أميركا وكأنَّ لها حدوداً في مُحاباة ودعم "إسرائيل"، بينما تتوالى الدلائل أنَّ هناك أيديولوجيا دينية في قلب الإدارة الأميركية وصناعة القرار الصهيو-أميركي بناءً على قناعات وقراءات دينية للتوراة، قراءات إقصائية لا ترى في الفلسطينيّين والعرب عموماً سوى غُبار بشريّ لا قيمة له. 

والحديث عن مصلحة أميركية في دعم "إسرائيل" لهذه الدرجة الإبادية التي يُمارسها كيان الاحتلال في فلسطين هو حديث منقوص، فالأمر يتعدّى المصلحة للأيديولوجيا والتماهي التامّ مع دولة الاحتلال بوصفها حاضنة أيديولوجية دينية "داعشية" يتبنّاها كثيرٌ من المؤثّرين في صناعة القرار الأميركية، ويمتدّ ذلك ليغطّي الأذرع الحكومية والتشريعية والتنفيذية في هذه البلاد الأكثر هيمنة على العالَم. 

ولا ينطبق هذا الأمر على كلّ عضو في الكونغرس أو الإدارة بالطبع، ولكنّه يُغطّي معظم من بيده الأمر في أميركا. ولعلّ تعامُل الإدارة الأميركية والكونغرس الأميركي، وغيرهما من أذرُع الدولة العميقة، مع مظاهرات الطلّاب الأحرار ضدَّ الاستثمار والاتفاقيات الثنائية مع "إسرائيل"، يُبيّن الخوف من هَبّة كهذه وصحوة بين جُموع الطلّاب قد تمتدُّ إلى المجتمع الأميركي الذي تحكمه عصابات في ظلِّ نظام ديمقراطي محدود، يخضع لاعتبارات ماليّة ونزعات قبَلية أكثر ممّا عند أكبر نظام قبلي في العالَم.

احتجاجات يُمكن أن تشمل شرائح أُخرى من المجتمع الأميركي

إنَّ مشهد اعتقال رئيسة قسم الفلسفة في "جامعة أيموري"، كارولين فوهلين، من قِبلِ الشرطة الأميركية لمشاركتها في الاحتجاج ضدَّ المجزرة الإسرائيلية المستمرّة في قطاع غزّة هو مشهد أيقوني. فهنا صورة مُفكِّرة وصاحبة ضمير حيّ يقتادها شرطيٌّ تافه على الأغلب، مشهد الفكر والفكرة في مواجهة الهمجية وأيديولوجيا الصهيونية العميقة التي لها باع طويل في التحكّم بالقرار الأميركي.

ويزداد الطِّين بلّة مع تصريح نتنياهو، قاتل الأطفال ومُخرّب البيوت بلا هوادة في غزّة، ليتحدّثَ عمّا يُسمّيه فظاعة التظاهرات الطلّابية في أميركا، ويأمر الوكالات الحكومية المُختلفة في أميركا بفعلِ المزيد لإيقاف هذه التظاهرات، والتي رغم أهمّيتها أتَت مُتأخّرة، لكنّها مُهمّة. النفاق الغربي تجاه ما يحدثُ يتعدّى حدود الفزع والتقزُّز، إنّه إرهاب من طراز قلَّ نظيرُه في العالَم الحديث الذي تُسيطر عليه عقليّة العصابة والقبَليّة الصهيونية المتوحّشة لأبعد الحدود.

أيديولوجيا العنف والدمار والهلاك وتكميم الأفواه، التي تُديرها الصهيونية البشعة تحت الغطاء والتواطؤ الأميركي تُفرد عضلاتها حتى آخر عصب، أمام طلّاب تسلّحوا بالعِلم والمعرفة والضمير الإنساني للوقوف ضدَّ الإبادة في غزّة. ولكَم أراحني أن أسمعَ شهادة ابنة المفكّر الفلسطيني المناضل إدوارد سعيد، وهي تتحدّث عن هؤلاء الطلّاب وعن قراءتهم لأعمال والدها الفكرية التحرُّرية، ولا سيّما كتاب "القضية الفلسطينية والمجتمع الأميركي". هذا الكتاب الذي صدر في عام 1979 يقدّم أقوى وأعمق الحُجج لصالح الحقّ الفلسطيني وبِلُغة بَليغة ودلائل دامغة وقراءة عميقة للصهيونية كأيديولوجية خراب ودمار منذ اليوم الأول. 

لن أعوّلَ على شيء ما دامت الإبادة مستمرّة، والتعنُّت الأميركي ضدّ الحق الفلسطيني في أَوْج ذروته، لكن هناك شمعة يُضيؤها الشباب والشابّات من الطلّاب الأميركيّين، تزداد اشتعالاً يوماً بعدَ يومٍ، ولعلّها تؤول إلى ما آلت إليه شموع سابقة ومن ذات المصدر ساهمت في تحرير فيتنام، ونهاية نظام الفصل العنصري البغيض في جنوب أفريقيا. ومن الواضح أنَّ هذه الشمعة التي وقودها الطلاب والجامعات، في أميركا - الشريكة الأساسية في الإبادة الجماعية ضدَّ أهلنا في غزّة وفلسطين- هي ملهمة وتعيد قليلاً من الثقة في الضمير الإنساني المفقود الذي تستهدفه الطائرات والقنابل الأميركية الصنع ليل نهار في غزّة المكلومة واليتيمة.  


* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن

موقف
التحديثات الحية

 

المساهمون