رجلٌ يطرق الأبواب في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل

11 سبتمبر 2021
مقطع من "الإنسان والزمان" لـ سعدي الكعبي (العراق)، زيت ورمل على قماش، 1974
+ الخط -

الرجلُ مرتدياً ثيابَ الحداد، يشاهد التلفزيون. يشاهد شخصًا يقول إنّ الماء قد مات ووريدُ الطائر مدينةٌ جافّة. أراه في صورةٍ قديمةٍ مع صديقيه: صديق قُتل بانفجار دُمية أثناء الحرب، والآخر لا يزال يصفع تلاميذه أمام مخبزٍ مُغلق.

عبيدٌ يغرفون من الماء وأنا أفرغ المحار من الرمل. رجال خانتهم نساؤهم يبكون على حافّة النهر ويراقبون الشبكة كيف تلبط. كادت الشمس أن تُشرق عندما شاهدت الميِّتَ على الجسر يرمي صنّارته ويغنّي أغنيةً عن المغول الذين جاؤوا يُلقون التحيّة إلى السلاحف المذهلة.

يقول: زوجتي كانت جميلةً كحَرْث؛ جئتُ من لقائها الآن. على الطريق نظرتْ إليّ ظلالٌ وهي تسير إلى مغسل الموتى. لديَّ غربةٌ بحجم الخرائب. يقول ويضحك بصوتٍ عالٍ ويشرب بقية فنجان قهوته.

منتصف الليل؛ أطفالٌ من زمن دقيانوس يعودون إلى شارعك؛ يبولون ويغنّون ويشاهدون أفلام "أكشن". أخالُ أنّي من التائهين الآتين من القبور الجميلة. منتصف الليل درّاجةٌ نارية تمرُّ؛ أحدهم يصفِّر وأنتِ تقولين: اليوم قَتل شخصٌ عصفوراً ومات.

في حقيبة زوجته يبحث عن أرقام هواتف المجانين الذين أحبّوا جدّته. يبحث عن الرسائل التي أحضرها له الطائر، ويبحث عنّي؛ وعندما مررت ذات يوم من الزقاق، ناداني: كيف حال الشمس؟ يبحث عمّن أَرسل رسالةً إلى زوجة ذي القرنين. يبحث ويعوي: ناقوس، ناقوس. هو ذا عصر دقيانوس.

في غروبٍ ممطرٍ ألقت امرأةٌ بنفسها من فوق الجسر؛ لقد وصلتُ متأخّرًا كمَن يصل إلى قاربٍ يسير في اتّجاهِ حادس. تُمطر السماء من شدّة الشراب، والجسرُ عالٍ؛ وكان قائد القارب يعوم في اتّجاه الجسد الطافح والسماء تمطر من شدّة الشراب.

رجلٌ يطرق الأبواب في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل. موسيقيٌّ ينام في محار. أشاهد الذين لا يعرفون شيئاً عن المرء كيف يموت. بغيٌّ أرى الزمن الماضي في ملامحها. مبنىً أثريٌّ لأناسٍ لم أكن أعرفهم لكني أعرف لغتهم الغريبة. رجلٌ يطرق الأبواب في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل.


* شاعر من الأهواز

نصوص
التحديثات الحية
دلالات
المساهمون