بالسفن ترسو على ضفاف كارون

18 يوليو 2022
جزء من عمل لـ آدم حنين، أصباغ على ورق بردي، 1981
+ الخط -

سوف تصل إلى نهايتها هذه النافذة ويهرم وجهي في المرآة؛ وتعودُ المرأة إلى أمّها الوردة ولا أعرف كيف سأكون. أحدٌ ما يسألني عن المرأة والخيل والسِّحْر ولا أعرف ماذا سأكون. ورقةً تعبث بها ريحٌ عقيمٌ أم حرفاً منسياً في ثقبِ جدار؟


■■■


أتهجّى هذه الكلمات باللّسان - الدارج. لسان الطبيعة. يجب أن تُخرِج الكلماتُ طاقاتها؛ لكن ليس بطريقة المعجم. يجب أن تَخرج الكلمة بكلّ قواها وتحمل قوّة الوالدة الكبيرة وهاوية الروح؛ وأن تجلبَ زهرة الحُلم الجماعي وجذور الأرض.


■■■


أُقارن نفسي بحبّة القمح؛ نقطة الحياة والمَمات. أُقارن نفسي بالميزان وبالسماء بين الكفّتين. أُقارن نفسي بالسفن ترسو على ضفاف كارون وألوّح لها عندما تغادر وتسبقني الطيور؛ أُقارن نفسي بمرساةٍ صدئةٍ شهدت حروباً وتحوّلاتٍ ولا تزال نابتةً على ضفاف كارون.


■■■


أتجدّد في خطفة النيازك. أتجدّد في عناوين قصائد. أتجدّد في براءة الهيروغليف وكرامة الإنسان والماء. تحدث نزاعاتٌ في دورةٍ أُخرى وأكابد نفسي وألتمس السحابة أن تصنع لي طائرةً من الورق لأصعدَ بها إلى النجوم. أتجدّد في الحنين في خطفة النيازك.


■■■


لم تكنِ الخالق ولا المخلوق. لم تكن الصانع ولا صنعة أحد. أنت خلقٌ منفرد. الحجارةُ حجابُك ترتديه والماءُ ثيابُ الوردة. (وهناك سماءٌ تُباد وتُخلقُ امرأةٌ على صورة الفلك).


■■■


يمرّ فريد الدين العطّار بعطر الروح وعطرِ الفراشات وعطرٍ مجهولٍ. تبحثُ امرأةٌ عن ابنها الميت؛ وعندما وصلتْ إلى الماء؛ وجدت الماء، ابنَها الميت. غادرت المرأة وتذكرتُكِ فجأة وأنا أسير على الطريق الذي ينتهي إلى فريد الدين العطار.


■■■


يحتاج الإنسان الأخضر إلى نوم أخضر في بذرة نظام الله. الكلمات بيضاء في كتاب أسود. يُلقى السّجادُ من وراء الطبيعة إلى مجاز الصفحات. جاء الإنسان الأخضر من بساتين الشمس إلى نهر الموتى.


■■■


تتقاطر النجوم من عيون الخيل. الفضّة مذهلةٌ في الرياحين والمرايا. صباح البلور يشرق من الستائر؛ ولا تزال الشمس خبزاً غيرَ ناضجٍ وأنت قوسٌ يطير بي إلى لغة الهيروغليف.


■■■


شوارع تتآكل. لا يوجد شارعٌ إلّا وفيه وردةٌ تنتحر بأشواكها. يدوِّن الإنسانُ جهلَه ويوقِّعُ أدناه ويشكر ربَّه. الشوارع مُظلمةٌ ورجلٌ من الضباب يعزف على قيثارته، يغنّي باللغة العربية ولا يسمعه أحد.


■■■


في أيّ كارثة يوجد جليد. كانت أحلامُك تلاحقك وتتجمّد. في أيّ كارثة يوجد جليد؛ وأنت تتحدّث مع نفسك عن امرأة أرادت أن تكشف عن روحها في حبّك لكنّها أصيبت بالجنون واختفت إلى الأبد.


■■■


لم أستطعِ الكتابة عن شيء. بيني وبين الحديقة بابٌ من العَسل والكتابة شيءٌ من الصَّوّان والكبريت؛ وتلك العواصم التي تَشقَّقُ في يدي لا تزال سماؤها تنصَبُّ في قالب السبّاك.


■■■


اللاوعي مليء بالعدم؛ وفراغٌ بلا قرار؛ والحياة مكعبّاتٌ فارغة. مدنٌ وأممٌ من مكعّباتٍ ورقية. أنت تذوب في العدم وتغرق في الفراغ الكبير وتسأل الأرض عمّا إذا كانت قد وُلدت سماءً بكراً تدرُّ منها قلائد وأساطير.


■■■


حرائق لا تزال مستمرّة. أصابع لا يمكنها الخياطة. سماءٌ تنطشُّ على الحائط. سأرسم لك طائراً من الفضّة لتهديه إلى امرأةٍ في حديقة التين. سأرسم لك حمامةً يقطر من جناحيها المطر لترسلها إلى امرأةٍ هوايتُها الغناء.


■■■


تحتضن امرأةٌ نسيمَ الصبا وتقول له يا سيّدَ الأهواء القديمة. تحتضنُ امرأةٌ نسيمَ الصبا في الليل ليذهبَ بأخبارها وعطورها إلى وردةٍ تُحتضرُ في مكانٍ آخر. تحتضن امرأةٌ نسيمَ الصبا بعمقٍ وتموت.


■■■

تحدّثنا عن بحرٍ لا ينام وعن رجلٍ انتحر وعن رجلٍ سيَتِمُّ إعدامُه غداً. سأكون حجارةً أو سأهاجر إلى عالم الموت بالطائرة. سأكون قرنَ وعلٍ على باب منزل؛ سأكون رجُلاً آليّاً يسقي الإماءَ والعبيدَ خمرةً.

■■■


لا تثق بالعواصم. ليستِ الدنيا هذه الأمطار ولا تلك التي يسمّيها الإنسانُ جنّةً. فالطرق التي عبرتُها ليلاً كانت أشجارُها مثقلةً بالمطر يا وردة النرجس. تقول امرأةٌ: كُن قريباً منّا ولا تثق بالعواصم.


■■■


مضى وقتٌ آخرُ من باطل الأباطيل وكلَّما تقدّمتُ اشتقتُ إلى القديم. كنتُ معجزةً على وشك الاختفاء؛ يا مرضعة الزمن التي بقيت تنتظرني في باطل الأباطيل.


■■■


كيف وصلت إلى بلدة الكريستال يا حافظ الشيرازي؛ وبكيتَ على قميصِ يُوسُف. لقد كشف لك العالم أسراره والغيمُ جُبَّتُك مسافرة من قصرٍ إلى قصر. سوف نلتقي وترى أنني مُسممٌّ كالنصل؛ قويٌّ كالربابة تنهضُ من بحيرة الزمن.


■■■


دخلتُ أنا ويوسُف الحديقة السِّريَّة وكان الهواءُ شمالاً؛ وقد تمزّقتُ عند رؤيتي ملكوتَ عيون الماء وقميصي أنجمٌ من قَطْر الأيام. كنتُ أغيبُ في الحديقة السِّريَّة ويوسُفُ الفُتُوَّةُ والموسيقى.


■■■


في المتاهة عشقٌ يتبدّد. في المتاهة أزهارٌ تظهر على شكل إنسان وغزال ونمور وصقور. في المتاهة مرايا يتعذّب فيها مَن يرى الحبَّ الملاذَ الأخير للروح. في المتاهة إلهٌ وطفلٌ وامرأة؛ تحلم المرأةُ بالطفل؛ يحلم الطفلُ بالإله ويحلم الإلهُ بالطفل والمرأة. في المتاهة كرسيٌّ غارقٌ منذ مطر قديم؛ في المتاهة تُراقبُ عينان أحلامَ امرأةٍ ورجل؛ لا يلتقيان إلّا في النوم.


* شاعر ومترجم من الأهواز

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون